" راهن الشعر العربي"
لكل عصر أوانه وميزانه
- 151
مريم. ن
شهدت ندوة "راهن الشعر العربي" التي احتضنها، أوّل أمس، فضاء فلسطين نقاشا مفتوحا خصّ مختلف التصورات والآفاق التي يسعى لها هذا الفن الراقي، فيما رأى البعض بنظرتهم غير المتفائلة أن الشعراء اليوم أصبحوا أكثر من الشعر همهم اصطياد الجوائز وتلبية طلبات الممولين بعيدا عن أي التزام أو خطاب أو تجديد ما أبعد الشعر عن أمة الشعر.
استهل الشاعر سامح محجوب رئيس بيت الشعر بالقاهرة اللقاء بمداخلة عنوانها "الشعر العربي راهن ومرتهن" أشار فيها إلى أنّ مجموعة من المؤرّخين الأدبيين المحافظين صنّفوا الأجيال الشعرية على أساس زمني وصنّفوا الظواهر الفنية على أسس بالغة السذاجة، وسميت الشعريات أيضا باسم عصرها السياسي منها العصر الجاهلي وصدر الإسلام والأموي والعباسي وغيرها، كما أطاح هذا التصنيف، حسبه، بظواهر فنية هامة كتجربة الشعراء الصعاليك.
السياسة صنّفت مراحل الشعر العربي
كما تم استبعاد كلّ شعراء الثورات التي قاومت سواء أكانت دينية كالخوارج أو سياسية كالبرامكة والزنوج، وهكذا صار التأريخ للأدب ورصد ظواهره الفنية والثقافية وفقا لعقلية المؤرخ الرسمي الذي يمتثل كلية لمن بيده السلطة بدليل ما حدث للحلاج والهروندي وهكذا صارت الأمور كما يضيف قبل القرن الـ20، ليحاول الشاعر النظر بداخله بعد قطع مسافات طويلة من النظر والتحدّث باسم الجماعة التي سخفت وشوّهت وصادرت الشعرية العربية على مدار قرون عدة كان التخلص منها يحتاج لروح جديدة مع ثائر سياسي عظيم هو محمود سامي البارودي الذي لم يكن ينتمي بشكل كلي إلى العرب عرفيا.
البارودي الفارس الذي خذلته الثورة والشاعر الذي لم يخذله الشعر، فلقد نظر حوله ليجد الشعر ترفا وسجعا ومحسنات بديعية، لا يتجاوز ألفاظه إلى أي معنى غير التلاعب باللغة فكان أن نظر بعيدا كأي مثقف واع .
كتب البارودي الشعر مستحضرا أهم شعرائه ونماذجه في أبرز عصوره ليسمى هو ومعاصروه بشعراء البعث والإحياء، ولأوّل مرة في تاريخ الشعر العربي يتم توصيف الشعر فنيا وثقافيا بعدما ظل ينعت بالزمن السياسي، ولأول مرة أيضا يتخفف الشاعر بعض الشيء من صوت الجماعة، متأملا ذاته وعصرة وذوات العاديين من حوله.
توالت الأزمنة الشعرية وقفز للسطح مصطلح التجبيل من الستينيات حتى التسعينيات ليظل المصطلح المطروح بقوة في الدرس الأدبي والمرجع الوحيد لدراسة الظواهر الفنية التي مرت بها الشعرية العربية.
تغيير جذري في البنية مع الثورة الرقمية
وصل المتدخّل بالحديث إلى ميلاد ثورتي الاتصالات والمعلومات وما نتج عنهما من تغيير جذري في البنية العقلية والمعرفية ليجد الشاعر نفسه متخلصا من سطوة عدة مركزيات في الكتابة والتلقي.
كما تم تجاوز الخلاف على شكل القصيدة، بل تجاوز القصيدة نفسها لتصبح نصا معرفيا منفتحا يصعب تأطيره وتوصيفه.
بالمقابل، وصف المتحدّث بعض الشعراء بالكتبة الذين أصابتهم عدوى التصحّر وصاروا يدبجون القصائد العصماء العاطلة من الشعر والخيال لصالح مسابقات وجوائز رجعية تقف وراءها نظم سياسية راديكالية تكرّس لماضوية ثقافية تضمن لها البقاء مدة أطول في المشهد أم من لا ينتمون لهؤلاء أو لهؤلاء ويتمرسون خلف قناعات ثابتة في الكتابة تحرمهم من خرق مراحل طويلة قطعتها الشعرية العربية نحو نفسها، ليصبح الشاعر الممثل الأول والوحيد لنصه.
أما الدكتورة خيرة حمر العين من جامعة وهران فتناولت التحولات الرهيبة التي عاشها الشعر العربي عبر العصور تماشيا أيضا والمجتمعات المختلفة وصولا إلى ما يعيشه هذا الشعر اليوم، حيث أصبح له مقاييس وأطر ومناهج نفهمه بها، علما أنه مع هذه التحولات خاصة الرقمية منها ظهر قارئ آخر مختلف.
قالت المتدخلة إنّه أصبح هناك اليوم ما يعرف بشعراء المنابر والجوائز الكبرى، فيما ينجذب شعراء آخرون نحو قصيدة النثر الأكثر تعبيرا وحرية، وبعد ثورات الربيع العربي ظهر بعض الشعراء الشباب بأساليب جديدة بعضها مبتكر وغريب أحيانا.
تحدثت أيضا عن شعر زمن المقاومة وشعر الرقمنة وغيرهما، لكن ذلك، حسبها، لم يرافقه نقد جاد يتابع هذه الحركة الشعرية بشكلها الجديد ورؤاها الفلسفية وما تفرزه من معنى، مؤكدة أن الشعر لابد أن يكون نبوءة وروحا مغروسا في الإنسانية.
في كلمتها أكدت الشاعرة العمانية بدرية البدري أنّ الشعر لا يزال فاعلا ومؤثرا فبالنسبة إليها كتبت نصوصا عن غزة فأقفلت جميع حساباتها الالكترونية لتسأل عنها بنات غزة اللواتي افتقدن شعرها وهذا المفعول وردة الفعل هي المطلوبة، حسب المتحدثة.
كانت المناقشة التي أعقبت اللقاء جد حارة، فقد أشارت الدكتورة انشراح سعدي إلى أنّ الجوائز الشعرية ليست عيبا وأنها ساهمت في دفع الشعر، لكن الأستاذ سامح رد أنه يعيب في هذه الجوائز فرض موضوعات المشاركة فرضا والاعتماد على القيمة المالية دون المعنوية زيادة على ذلك جانب تصويت الجمهور الذي يفقد المصداقية لأي عمل مشارك، ليؤكد أننا في عصر النص وليس القصيدة والشعر اليوم منتوج تجريبي في حين أننا لا زلنا ندير وجوهنا للوراء.
من جانبه، أشار الشاعر الجزائري عبد الرحمن بوزربة إلى أن الجوائز تفرض مقاسات معينة، مؤكدا على النقص في التراكم المعرفي في الشعر والنصوص .
للإشارة، شهدت الجلسة الثانية من اللقاء العديد من القراءات الشعرية بداية مع الشاعرة العمانية بدرية البدري بقصيدة مطلعها:
كما قرأ الشاعر الأردني عصام السعدي قصيدة عن غزة بعنوان "يا صاحب السفينة" و"زعفة النسر"، وتقدمت الشاعرة السورية بسمة شيحو لقراءة بعض من قصائدها البديعة منها في نوع الهايكو (يقولون هبطت من السماء إلى الشعر)و قرأت "يمشون في مكانهم" و"أخبركم شيئا" و"صوت" و"فوق غيمة" ومن ليبيا جاء شاعرها هود الأماني ليقرأ "مرآة بكامل تجاعيدها" و"لو كنت أفرغت رأسي لانتصرت على الصداع"، أما أحمد المفتاح من قطر فأنشد للجزائر تحت عنوان "أتى القلب" و"اذا أتتك حكايتي فأناها" ثم الشاعرة سارة حواس من مصر بـ"لا أفكار في المتن" ثم خيرة حمر العين "الوردة لا تهمها الجهات" ليختتم القراءات الشاعر المصري سامح محجوب بنص "من رأسك المحنى وظهرك المكسور يرتفع النداء".