تكريم عوابدية وفرقاني في ختام مهرجان المالوف
لحظة وفاء تتحول إلى نداء إنساني

- 209

شهدت السهرة الختامية للدورة 13 من المهرجان الدولي للمالوف بقسنطينة، لحظات مؤثرة، ليلة الأربعاء المنصرم، حينما خُصص التكريم لكل من الفنان سليم فرقاني، الذي غاب لأسباب صحية، ويواصل علاجه في الخارج، والفنان أحمد عوابدية، الذي حضر، رغم معاناته الصحية والاجتماعية.
تكريم هذين الاسمين الكبيرين، لم يقتصر على الاعتراف بعطائهما الفني وخدمة المالوف والموسيقى الأندلسية، وفقا لمحافظ المهرجان إلياس بن بكير، بل تحول إلى لحظة إنسانية بامتياز، سلطت الضوء على معاناة الفنانين في الجزائر، ودفعت جمهور المهرجان ووسائل الإعلام إلى رفع أصواتهم، مطالبين بضرورة التكفل العاجل بهم.
وفيما يتابع سليم فرقاني رحلة العلاج بالخارج، كشف ظهور أحمد عوابدية على ركح مسرح "محمد الطاهر فرقاني" حجم التحديات التي يعيشها، ما جعل المهرجان بمثابة منصة لإيصال صوته إلى السلطات. وقد استجابت وزارة الثقافة والفنون بسرعة، بالتنسيق مع السلطات المحلية، ودعم من وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، عبر إعلان إجراءات عملية، لمرافقته صحيًا واجتماعيًا، في خطوة لاقت استحسان الوسط الفني والجمهور.
رغم غياب سليم فرقاني لأسباب صحية، إلا أن صوته حضر عبر اتصال فيديو من الخارج، ليطمئن جمهوره بأن صحته في تحسن مستمر، ويعبر عن اعتزازه الكبير بهذا التكريم، الذي يربطه أكثر بمدينته وجمهوره. وكشف شيخ المالوف أن رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، اتصل به شخصيا للاطمئنان على وضعه الصحي، معتبرًا ذلك التفاتة رفيعة، تترجم تقدير الدولة الجزائرية لمسيرته الطويلة في خدمة التراث الموسيقي. وقد تسلم درع المهرجان ابن أخيه، عدلان فرقاني، وسط تصفيق حار للجمهور، الذي ملأ قاعة العروض.
أما الفنان أحمد عوابدية، فقد كان حضوره على ركح مسرح "محمد الطاهر فرقاني" لحظة استثنائية، حيث استقبله الجمهور بوقفة مؤثرة، عبرت عن الوفاء لفنه ومساره. وبدا واضحًا حجم التحديات الصحية التي يمر بها، ما جعل المهرجان يتحول إلى منصة لإبراز معاناته، والدعوة للتكفل العاجل به.
اللحظة الأكثر دفئًا في السهرة، تجلت مع كلمة الشيخ أحمد عوابدية، الذي اصطف الفنانون والجمهور في ممر شرفي لاستقباله. صعد إلى الخشبة وسط تصفيق وزغاريد مؤثرة، وألقى كلمة قال فيها "معنا أو بدوننا سيظل هذا الفن حيًّا، فالأجيال الجديدة جاهزة لحمل أمانته. أحمد الله أن مسيرتي وجدت تمامها، بفضل هذا الجمهور الوفي، وبفضل الشيوخ الذين تركوا لنا هذا الإرث".
سهرة ختامية نجمتها فلة عبابسة
سطع نجم الفنانة فلة عبابسة، الملقبة بسلطانة الطرب العربي، في ختام فعاليات الدورة الثالثة عشرة من المهرجان الدولي للمالوف، في سهرة مميزة احتضنها المسرح الجهوي "محمد الطاهر فرقاني" بقسنطينة. الحفل عرف إقبالا جماهيريا كبيرا، اضطر القائمون إلى غلق الأبواب بعد امتلاء القاعة، فيما تابع بعض الحضور وقوفًا. ومنذ لحظة اعتلائها الركح، صنعت أجواء راقية بأدائها المتميز ومرافقة الجوق، حيث قدمت باقة من الوصلات التي تجاوب معها الجمهور بالتصفيق والإنشاد، من بينها "وين نصيبك"، "يا ساقي واسقي حبيبي" وأغنيتها الشهيرة "تشكرات".
المفاجأة الأجمل، تمثلت في الثنائي الذي جمعها بعدلان فرقاني، حيث أبدعا معًا في أداء مقاطع من روائع التراث القسنطيني، على غرار "لله يا غزالي"، "عاشق ممحون" و«ظالمة"، ما أشعل القاعة بالتصفيق والرقص. وقد ختمت عبابسة وصلتها بأغنية "كي اليوم" التي أهدتها للجزائر، لتمنح جمهور الاختتام جرعة إضافية من الإحساس الراقي.
سيرين بن موسى... صوت المالوف التونسي
كانت المطربة التونسية "سيرين بن موسى"، إحدى أبرز الأصوات المشاركة في البرنامج العام لسهرة الختام، حيث أطلت على ركح المسرح بلباس قسنطيني تقليدي، في إشارة رمزية إلى عمق الروابط الثقافية والفنية بين تونس والجزائر.
استهلت بن موسى وصلتها بأغنية "أقبل البدر"، قبل أن تتنقل بسلاسة بين مقاطع من التراث الأندلسي والمالوف، على غرار "زاد النبي وافرحنا بيه"، و«يا مرحبا بولاد سيدي"، و«حرمت بك نعاسي"، لتختتم بوصلة أطربت الجمهور مع "ما صار آسي".
وبتصفيق متواصل وهتافات معجبة، تفاعل الحاضرون مع أدائها الذي جمع بين قوة الصوت وأصالة الأداء، ليكون مسك الختام لتظاهرة فنية، رسخت مكانة قسنطينة كعاصمة للمالوف، وفضاء جامع للفن الأندلسي في أبعاده المغاربية.
توفيق تواتي يقدم باقة من الأزجال والموشحات
من جهته، قدم الفنان توفيق تواتي برنامجه الموسيقي، استهلها بمعزوفة على آلة الكمان، تلتها وصلة استخبارية "أحبابنا أحب من الأحباب من كان لي وحدي"، قبل أن يأخذ الجمهور في رحلة عبر مسيرته الطويلة، التي امتدت لأربعة عقود، وأثرى خلالها رصيد المالوف بما يقارب 60 ألبوما.
قدم تواتي باقة من الموشحات والأزجال، التي أعادت إحياء روح التراث الأندلسي، منها موشح "نالت على يدها"، وزجل "تذكركم عندي من جملة الما والطعام"، إضافة إلى "قم ترى الأغصان تميل" و«أنا الذي بيا ساكن صميم فؤادي" للشاعر عبد المولى، ليختم بموشح "يا روح النفوس، بالله يا حمد يا خويا". وكان حضوره طاغيًا على الركح، حيث تميز بتواصله العفوي مع الجمهور لأكثر من نصف ساعة، مؤكدًا مكانته كأحد أبرز حماة هوية المالوف وذاكرته الثقافية.