تيميمون تفتح نافذة على السينما السنغالية

كثافة سردية وتجريب شكلي

كثافة سردية وتجريب شكلي
  • 175
مبعوثة "المساء" إلى تيميمون: نوال جاوت مبعوثة "المساء" إلى تيميمون: نوال جاوت

كانت النافذة التي فتحها مهرجان تيميمون للفيلم القصير، أوّل أمس، بمثابة غوص مكثف في سينما تجمع بين النفَس الشعري، والارتباط الاجتماعي، والنظرة المعاصرة. حيث استقبلت قاعة "مالك بن نبي"، مجموعة من خمسة أفلام قصيرة، أظهرت، بنضج ملحوظ، قدرة السينمائيين السنغاليين على الجمع بين قوّة السرد، ودقة الإطار الفني، واستكشاف موضوعات إنسانية عامة مثل الأسرة، والتوريث، والإيمان، والشباب، والانحراف الذاتي.

قبل عرض الأفلام، عُرض تقرير قصير سمح للجمهور بإعادة اكتشاف ثراء التراث التاريخي والثقافي والجغرافي للبلاد، بالإضافة إلى أبرز الشخصيات في مجال الثقافة والفنون التي ساهمت في تشكيل الهوية الفنية للسينما السنغالية، مؤطرةً بذلك دورة فُكّرت على أنها بانوراما حسية لسينما نابضة بالحياة.

يأتي فيلم "عشاء مثالي" للمخرجة بندة سيك كتمرين فني محكم، يتنقل بين الواقعية النفسية والانغماس الداخلي. من خلال شخصية ناتاشا العارضة الدائمة في تنقلها، تدير المخرجة سردًا لتحلل داخلي حيث يغدو غياب الزوج المحفّز الأساسي للأحداث. لا يمر الشخص بمراحل الحزن الكلاسيكية، بل يكتشف جنونًا خفيًا ينشأ من تفاصيل الحياة اليومية، معبّرًا عن عمل دقيق في إخراج الفراغ، والتكرار، والحركة كعنصر سردي أساسي.

في المقابل، يستكشف "سوخامون" لإبراهيمة باري الفضاء المنزلي باعتباره أرضًا للحرمان. يتبلور الزوجان الصمان والأبكمان، سوخامون وكومبي، من خلال كتابة بصرية حسّاسة، حيث يصبح النحت لغة، ومرآة لرغبة أبوية مقموعة. يقدّم إبراهيمة باري فيلمًا يتحرك فيه الصمت دون أن يكون خمولًا، وتصبح لحظة الانتظار محركًا دراميًا أساسيًا.

أما "نسيم الكورا" لأنجيلي ديابانغ، فيفتح حوارًا حسّاسًا بين التقاليد، والموسيقى، والتحدي من خلال مصير سلمى، الشابة المسلمة التي تصر على العزف على آلة الكورا رغم المنع (الآلة التي يُحظر على النساء العزف عليها)، ويتجلى ذلك في سرد تعليمي، مشحون بتوتر عاطفي يتحدى السلطة، والشغف، والمحرّمات الدينية. تنسج المخرجة حول هذه الآلة قصة تستكشف الحدود الدقيقة بين التعلّم الفني والجاذبية العاطفية.

في سياق مختلف، يتبنّى "بوروم باكس" لجورج ديودجي ندور الطابع الخيالي، معتمدًا على إخراج محكم حيث ينقلب اليومي إلى كابوس. يكشف شخصية بابيس العامل الوحيد في محطة الوقود، عن العيوب الاجتماعية والرغبات غير المشبعة، بينما يفتح ظهور "بوروم باكس"، الجنّ المثير، للفيلم بُعدًا قصصيًا فظًا يكشف عن واقع متآكل بفعل الفقر والإحباط.

أخيرًا، يبرز فيلم "بانكساس" لخليفة با بشحنة عاطفية وسياسية كبيرة. يتناول السينمائي موضوع الهجرة غير الشرعية كحدث اجتماعي ومأساة جماعية، مدعومًا بعمل بصري قويّ رمزيًا. يصبح ممدو، الشاب الذي تدفعه قوى تفوقه إلى البحر، رمزًا لمصير محطم، وتعكس غضبه غضب جيل كامل. مدعومًا بأسلوب قريب من الوثائقي، يعيد الفيلم مسؤولية هذه المأساة إلى جميع الفاعلين الاجتماعيين، من المهربين إلى المجتمع، ومن الأهل إلى السلطات السياسية والدينية، متسائلًا بشكل مباشر عن عبثية عالم يدفع فيه الأصغر سنًا ثمن إخفاقات الجماعة.

من خلال هذه الأفلام الخمسة، كشف "نافذة على السينما السنغالية" عن سينما متماسكة، حيث لا تمحو خصوصية الأساليب عمق النظرة. بين التقاليد المعاد تفسيرها، والكتابات الجريئة، والانخراط الواعي، تضع هذه المجموعة السنغال كواحدة من أبرز المراكز الإبداعية على القارة. علاوة على ذلك، نظم الوفد السنغالي، برئاسة «جيرمان كولي» (مدير السينما والسمعي البصري والمسؤول عن التعاون الدولي بوزارة الثقافة والحرفيين والسياحة)، والذي ضم مخرجين وموزعين وصحفيين ومسؤولين من المؤسسات العمومية، نقاشًا حول تعددية السينما السنغالية، وتنظيم المحترفين في جمعيات، ووجود مساحات وسيطة ومجموعات تعمل على التدريب والإبداع.