الكاتب الصحفي جواد رستم تواتي لـ"المساء":

كتبت عن "الأدب الارتزاقي" في روايتي الأخيرة و"كامو" كان نصير الاستعمار

كتبت عن "الأدب الارتزاقي" في روايتي الأخيرة و"كامو" كان نصير الاستعمار
الكاتب الصحفي جواد رستم تواتي
  • 691
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

لم يكن جواد رستم تواتي رحيما مع الكُتّاب ياسمينة خضرا، وبوعلام صنصال، وكمال داود، وأمين زاوي في روايته الأخيرة "بؤس الأدب" التي صدرت عن دار "أبيك"؛ فقد وصفهم بـ"الممجّدين للاستعمار".. "المساء" تواصلت مع الكاتب الصحفي لتسمع حججه في الموضوع. كما سألته عن دراسته الجديدة حول كامو، وأفكاره، ومواقفه، التي لم تر النور بعد، فكان هذا الحوار.

أدحض مقولات تافهة حول عدم إمكانية نقد الكُتّاب في الجزائر

لماذا اخترت هذا العنوان تحديدا لروايتك الجديدة؟

❊❊ يشير العنوان إلى كتاب "بؤس الفلسفة" لكارل ماركس، الذي رد فيه على كتاب "فلسفة البؤس" لبرودون. وهكذا بداية بالعنوان، وضعت كتابي في سكة تقليد طويل عن نقاش نقدي لا طائلة منه، مدحضا في السياق نفسه، هراء وتفاهة بعض المقولات؛ مثل مقولة "في الجزائر فقط، كاتب ينتقد كاتبا آخر"، و"لا نغفر لأولئك الذين ينجحون"، وغيرهما.

تلاعبتُ بالقافية في روايتي لأكتب عن حماقة ما يُفترض أنه أفضل ما تم إنتاجه في الأدب الجزائري المعاصر

بدأت روايتك بفصل كامل من الأبيات الشعرية. كما استعملت هوامش كثيرة؛ هل هذا أسلوب جديد في الكتابة؟ أيضا لماذا لم تكتب عملك في شكل دراسة بدلا من رواية؟

❊❊ استخدام الشعر في الرواية ليس جديدا. وقد حدث ذلك في أعمال محمد ديب إلى كتابات محمد عبد الله، الذي كتب في مؤلَّف "أفصح الريح عن اسمه"، فصلا كاملا تقريبا، في النثر المقفى، بأسلوب المقامات العربية. ومع ذلك، فإن إدراج هذا الهجاء الطويل بالإضافة إلى الهوامش، قد يبدو كخطوة هجينة بين الهجاء والمقالة؛ فلماذا، إذن، نتقيّد بهذا الشكل في الكتابة؟ لماذا لم أكتب دراسة بدلا من رواية؟ أجيب عن هذا السؤال بذكر العديد من الأسباب التي أدّت بي إلى هذا الخيار؛ أولا، الهجاء هو، أيضا، مرجع لتقليد عالمي للمجادلات الشعرية من جوفينيل إلى بوالو، مرورا بالشعراء العرب و"هجائهم".

علاوة على ذلك، فهو يمثل تحديا جماليا لمن يتلقى هذا الخطاب. وبالمقابل أقول إنني اكتشفت حماقة ما يُفترض أنه أفضل ما تم إنتاجه في الأدب الجزائري المعاصر، وهذا من خلال التلاعب بالقافية كترفيه؛ وكطريقة للقول إنّ هؤلاء "المادحين للإمبراطورية" (إدوارد سعيد)، لا يستحقون جهدا أكثر من استعمال أسلوب كتابي معيّن، والاسترخاء.

ثانيا، تتيح لي الرواية توسيع نطاق التفكير، إلى طرح أسئلة أخرى تتعلق بالأدب المعاصر؛ مثل: علاقته بالإيديولوجية المهيمنة، وجاذبية هذا الأدب الارتزاقي على الكتّاب الناشئين، وأسباب نجاحه بين فئات اجتماعية معيّنة، وما إلى ذلك. كما تكون هذه التأملات أكثر إثارة للاهتمام عندما تحملها شخصيات وشخصيات في حركة (لوكاش).

 أردت تسليط الضوء على جاذبية هذا الأدب الارتزاقي، على الكتّاب الناشئين

هل ما أسميته بـ"الأسطورة الاستعمارية الجديدة"، منتشرة بشكل كبير في الأدب الجزائري؟

❊❊ هي موجودة بدرجات متفاوتة، وغالبا بدون وعي؛ بنفس الطريقة التي تنتشر بها في المجتمع؛ من خلال المحادثات اليومية. ومع ذلك هناك جزء صغير من الكُتّاب الذين كسبوا رزقهم منه عن قصد، وهؤلاء هم الذين تشرّحهم الرواية.

جزء صغير من الكُتاب كسبوا رزقهم من الأسطورة الاستعمارية الجديدة، عن قصد

إلامَ يرجع تخصيص روايتك لكُتّاب معيّنين دون غيرهم؟

❊❊ لقد اخترت تلك التي بدت لي الأكثر تمثيلا للهجوم الثقافي الذي تنفذه فرنسا النيو- استعمارية، وطابورها الخامس؛ لدعم غزوها الاقتصادي الجديد. وأستشهد بالمقولة الجيدة للمؤرخة آني لاكروا ريز: "لا يمكنك أن تنجح في تحقيق غزو اقتصادي بدون تزويده بالأجهزة الثقافية والأجهزة السياسية اللازمة"؛ لذلك قمت بعزل أربع حالات بدت لي نموذجية لتقسيم العمل بشكل عفوي، اعتمادا على مهارات كل مرتزق شغّل كتابته في المجال الأدبي نيو استعماري الجديد في الجزائر. وفي هذا كتبت عن التعديل التاريخي المناهض لنوفمبر، وتشويه سمعة الإسلام والمسلمين، والإغواء الوقح للوبي الصهيوني مع بوعلام صنصال، وكذا الاستشراق ذي المستوى الضحل، وفي أبشع صوره مع أمين الزاوي.

أيضا كتبت عن رواية المحطة ومهمتها في إعادة كتابة دعاية الحلف الأطلسي مع "روايات" تلتصق قدر الإمكان، بالأحداث السياسية الحالية، وتعزز سرد الإمبراطورية وشبكة قراءتها؛ كياسمينة خضرا، بل هو المثال النموذجي لما ذكرته. كما تحدثت عن الانعطاف المبكي والرخو لرواية "المحطة"، بالإضافة إلى خطابها الكاموسي ـ نسبة إلى كامو ـ والمتمثل في إمساك العصا في المنتصف، واللجوء إلى الابتذال الساخر والرواقية الرديئة؛ مما يجعل من الصعب قبول نقدها من قبل "معجبيه"؛ لأن في هذا المستوى من الافتقار إلى الروح النقدية، نطلق عليهم صفة "المعجبين" أكثر من صفة "القرّاء". وقد ذكرت بعض أسباب هذا التبجيل في روايتي "بؤس الأدب"، لا يمكنني ذكرها في هذا الحوار؛ لأنه سيستغرق وقتا طويلا.

وأخيرا الأصغر في المجموعة والذي يُعد خليطا غير متجانس للثلاثة المذكورة أسماؤهم آنفا، كمال داود.

علاوة على ذلك، أردت التركيز على نفسية المرتزق المثالي، فوجدت سمات مشتركة في هذه الأمثلة الأربعة: انعزالهم الاجتماعي، وعلاقتهم المضطربة عصابيا بالأبوة (نيفروز)، ومن هنا نجد تكرار موضوع غير الشرعية الذي يُسقطونه على المجتمع الجزائري،  وافتتانهم بـ "النموذج الغربي"، والذي يسمحون لأنفسهم أحيانا، بتوجيه انتقادات سطحية له، بنبرة "غالاتيا" التي خاب ظنها في "بغماليون".

اخترت خضرا وصنصال والزاوي وداود؛ لأنهم بدوا لي الأكثر تمثيلا للهجوم الثقافي الذي تنفّذه فرنسا النيو استعمارية

حدثنا عن كتابك الجديد حول كامو، هل أتممت إنجازه؟ ماذا تناولت فيه؟

❊❊ لايزال قيد الإنجاز. هو دراسة، ينبغي أن تُعنون بـ "تدمير العقل: ألبير كامو"؛ تكريما لجورجي لوكاش، الذي كتب سلسلة من الأعمال التي تنتقد اللاعقلانية الفلسفية ابتداء من شيلينغ إلى غاية نيتشه، والذين وضعوا أسس النازية والفاشية (بوليتزر ونيزان قاما بعمل مماثل في فرنسا).

أرى أنّ كامو يتماشى مع هذه اللاعقلانية، التي ليست في النهاية سوى دفاع غير مباشر عن الإمبريالية. وفي حالة كامو، عن شكلها الأكثر وحشية: الاستعمار.

ركزت في روايتي على نفسية المرتزق المثالي

لذلك أردت إظهار أن "فلسفته العبثية" الحمقاء والمضحكة، هي أحدث صورة رمزية شديدة الانحطاط لهذه اللاعقلانية الفلسفية. ويتعلق الأمر أيضا، بإبراز جمالية مؤلَّفاته المرتبطة، في المقام الأول، بجمالية النظام الاستعماري، وكذا تجميله المجتمع الاستعماري، وإظهار كيف أن "دفاعه عن المستعمر" ليس سوى موعظة أبوية، تنص على معاملة أفضل للسكان الأصليين، الذين يهدَّد غالبيتهم بالانضمام إلى المنادين بالاستقلال. لقد عبّر فانون عن ذلك بشكل جيد للغاية عندما قال من حيث الجوهر، "عندما يرى المستعمِر المستعمَر في طريق الثورة، يبدأ في ممارسة الاقتصاد". كما إن الاقتصاد الذي يهتم به كامو، متعلق بحيل نعرفها؛ مثل "الكرم"، و"العدالة".

كتابي الجديد دراسة عن كامو، وقد أظهرت فيها جوانب بعيدة جدا عما يُعرف به؛ كالكاتب المتواضع، والقريب من المضطهدين

وأخيرا، يتعلق الأمر أيضا، بربط بعض موضوعاته الرئيسة رغم أنها لم تُذكر إلا قليلا؛ لأنها تتناقض مع صورة الكاتب المتواضع والقريب من المضطهدين، مع مواضيع المثقفين الرجعيين في عصره، ولا سيما الثنائي أرندت/هايدغر (سأعتمد في هذا على العمل الممتاز لإيمانويل فاي)، وعلى سبيل المثال، ادّعاؤه المضحك بـ "أرستقراطية الروح"، وهنا نفهم أن في الحالة الاستعمارية، الشخص الذي ادّعى "صياغة أدب جديد" لصالح "الشعب الجديد" (الأقدام السوداء)، أوهم نفسه بأن يكون أرستقراطيا (فانتازم)، وبالتالي سيسمح له وقت فراغه بإنتاج الفن والأساطير لشعب أسطوري (اُنظر حول هذا الموضوع "الرجل الأول")، في حين أنه يجتر فقط أفكار نيتشه.

لقد قيلت أشياء كثيرة عن كامو، ولكن يبدو لي أن القليل جدا كان "راديكاليا"؛ أي أنه لم يتم الاهتمام بجذور الأشياء؛ لذلك أنا أمارس مهمة الحفر.