الصحفي الكاتب نجم الدين سيدي عثمان لـ "المساء":

فيض من الإنسانية في كتابي عن لاعبي المنتخب الوطني

فيض من الإنسانية في كتابي عن لاعبي المنتخب الوطني
  • القراءات: 859
❊حاورته: لطيفة داريب ❊حاورته: لطيفة داريب

استطاع الصحفي الكاتب نجم الدين سيدي عثمان، أن يأخذ زبدة مسيرته في الإعلام الرياضي، وأن يحولها إلى قصص مشوقة، تبرز الجانب الإنساني للاعبي الفريق الوطني لكرة القدم في كتابه بعنوان "VAR، القصص السرية لأبطال إفريقيا"، الذي صدر مؤخرا عن دار "نوميديا". التقت "المساء" بالكاتب الشاب على هامش توقيعه كتابه الجديد في "سيلا 24"، وأجرت معه هذا الحوار.

حدثنا عن إصدارك الجديد والفريد من نوعه.

❊❊إصداري هذا عبارة عن محطات إنسانية للاعبي الفريق الوطني لكرة القدم، أردت الكشف عنها لمحبيها، فاللاعبون ليسوا آلات، بل بشر ولديهم أحاسيس. كما تعرضوا لهزائم وعثرات في حياتهم، قبل أن يصبحوا أبطالا يظفرون بكأس إفريقيا، كعربون محبة منهم للجمهور الجزائري، ولهذا حاولت الاقتراب من هؤلاء اللاعبين، والكشف عن جانبهم الإنساني الخفي في شكل قصصي. وبالمقابل، تمنيت لو كان هناك أكثر من عمل أدبي عن الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم؛ لأنه يُعتبر ظاهرة تاريخية حقا.

هل تعتبر كتابك هذا عصارة مسيرتك الصحفية في حقل الإعلام الرياضي؟

❊❊ نعم، ففي الفترة الممتدة من 2010 إلى غاية 2017 رافقت المنتخب الوطني كثيرا في رحلاته خارج الوطن. كما التقيت باللاعبين في فضاءات مختلفة، وبالأخص في دول أخرى. وهنا أمكنني الوقوف على جوانب خفية لهؤلاء اللاعبين، فهم ليسوا كما ذكرت سابقا، بآلة تدخل الميدان وتؤدي دورها وكفى، وهكذا  اشتغلت على أدب جديد يسمى في الأرجنتين بأدب كرة القدم، وهو أدب يهتم بسرد قصص قصيرة عن رياضة كرة القدم. وفي نفس الوقت تتوفر فيها عناصر إبداعية، تجعل منها قصة جذابة، يمكن أن تجذب حتى من لا يتابع رياضة كرة القدم.

هل اعتمدت في قصصك هذه على الوقائع فقط أم مزجتها بالخيال؟

❊❊ هي أحداث واقعية، بعضها عاينتها عن كثب، خاصة أثناء الحوارات المطولة التي أجريتها مع اللاعبين، وأخرى استقيتها من مقربين منهم. أذكر الحوار الذي أجريته مع الحارس مبولحي، الذي يبدو في نظر الكثيرين غامضا لا يتحدث كثيرا، إلا أنني حينما حاورته في بلغاريا اكتشفت أنه إنسان حكيم، وُلد في حي مهمش في العاصمة الفرنسية. كما عاش في الغربة منذ أن كان في سن 16، تاركا والدته، باحثا عن المجد، وكان آخر من سمع بوفاتها وهي التي لم تكن تريد أن تشغله بمرضها، نعم هذه هي الأمور التي أردت نقلها إلى الجمهور.

هل اعتمدت على الجانب الترفيهي في قصصك هذه؟

❊❊ لا، هي قصص إنسانية بحتة، مثلا قصة كتبتها عن أحمد، رجل سافر إلى فرنسا مضطرا بفعل معاناته من مشكلة صحية (القلب)، ولم يكن بمقدوره إجراء عملية جراحية في الجزائر، فهاجر إلى فرنسا لينجو بنفسه، وعاش في ضواحي باريس، في حي مهمل؛ لهذا كان يمكن أن يولد محرز في بني سنوس؛ في الحدود الجزائرية المغربية، وأحمد، إذن، والد اللاعب رياض محرز الذي كان حارسا للمرمى في فريق بني سنوس، وكان متمسكا جدا بجذوره، ولم يغادر الجزائر إلا لأن ظروفا أجبرته على ذلك، فهي بذلك قصة إنسانية أنقلها بأسلوب مختلف، وهي ليست بالسيرة الذاتية.

أيضا وناس الذي لا يعرف أحد أن والده كان حارس ترجي مستغانم في البطولة الجزائرية لسنوات طويلة، والظروف أجبرت الحاج وناس على الرحيل إلى باريس، وبالضبط إلى ضواحي تور ليعيش فيها، ويولد هناك وناس، الذي بدوره كان يمكن أن يولد في الجزائر؛ فكيف نشكك في وطنية هؤلاء اللاعبين؟! فقط ظروف أوليائهم جعلت بعضهم يولدون خارج الوطن. وهنا أتكلم عن جزائريين يلعبون للمنتخب الوطني ووُلدوا في هوامش باريس، على غرار فيغولي الذي وُلد في حي مهمش تقريبا، وهو الحي الذي لفظه المجتمع الباريسي وعاش ظروفا صعبة، لهذا فثمانية لاعبين من الفريق الوطني الجزائري وممن حملوا كأس إفريقيا 2019، وُلدوا في الضواحي الباريسية، من بينهم أيضا ياسين ابراهيمي الذي وُلد في ضاحية مونتروي. أما محرز فولد في حي سارسال الذي يضم 80 جالية تعيش ظروفا أقل مستوى من التي تعيش في باريس.

إذن، أغلب المعلومات التي استقيتها عن اللاعبين كانت ثمرة حواراتك معهم، أليس كذلك؟

❊❊ نعم ولا، صحيح أنني أجريت حوارات مطولة مع اللاعبين، لكنني إنسان دقيق الملاحظة، وبالتالي الكثير مما ذكرته في كتابي هذا كان نتيجة الفترات التي جلست فيها مع اللاعبين. أذكر، مثلا، أننا كنا في ليسوتو، واتصل بي قائد فريقهم الوطني لكرة القدم، وطلب مني الالتقاء برياض محرز، فقلت بأنني سأرتب له موعدا مع قائد فريقنا. وحينما تحقق ذلك همس في إذني قائلا إنه يريد حذاء محرز، فأجبته بأن الأمر صعب؛ اللاعب يلعب في البطولة الإنجليزية، فكيف نطالبه بحذاء يلعب به؟ ومع ذلك سألت محرز عن إمكانية تحقيق طلب قائد فريق ليسوتو، فأجابني بالإيجاب، وأضاف أن هذا الأمر ممكن فعلا، وأنه يمكنه تعويض حذائه.

أذكر هذه الحادثة وأذكر معها قصة محرز حينما كان يتجول في ضواحي باريس، باحثا عن حذاء مستعمل يشتريه بعدد النقود القليلة التي كانت في جيبه، وها هو اليوم وكأنه ينتقم للظروف الصعبة التي عاشها، وأصبح يترك حذاءه في كل مكان؛ حتى عندما لعب مباراة في كرة القدم في صيف 2016 في بني سنوس، ترك حذاءه وجواربه لأبناء قريته التي يعتز بها كثيرا.

هل أخبرت لاعبي الفريق الوطني لكرة القدم بصدور كتاب تروي فيه أحداثا تمسّهم؟

❊❊ لم أتصل بهم لأنني رفضت تسويق عملي بهذه الشاكلة، كما أردت أن أكتب عن اللاعبين كما أريد أنا؛ أي أن أروي قصصا عن إنسانيتهم، مثل ما يفعله اللاعب بلعمري من أشياء رائعة في الحراش وفي الحي الذي وُلد فيه، فهو يدعم أبناء حيه بأشياء كثيرة، وأنا متأكد أنني لو اتصلت به وأخبرته بأنني سأكتب عما يفعله في كتابي هذا، لرفض، لهذا أستسمحه عن ذلك.

هل فعلا يشكل لاعبو الفريق الوطني لكرة القدم، لحمة واحدة؟

❊❊ في الماضي كان هناك نوع من الانقسام وسط اللاعبين، بينما اليوم يعيشون لحمة حقيقية، من بين ملامحها أذكر حادثة كتبتها في الكتاب، فبعد حصولهم على الكأس ودخولهم إلى الفندق في القاهرة، تحدّث اللاعبون مع رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم عن المنحة، فأخبرهم بقيمتها المالية، ومن ثم سمع وشوشات بين اللاعبين، فاعتقد أنهم غير راضين بها، فاستفسرهم في الأمر، وأجابه محرز عن مصير المنحة التي يجب أن تتقاضاها الأطقم الأخرى التي رافقتهم لمدة شهر ونصف، مثل سائق الحافلة وحافظ الأمتعة، وهنا تظهر اللحمة ليس بين اللاعبين فقط، بل بين كل من له علاقة بالفريق. وأعود وأذكر أن اللاعب إنسان قبل كل شيء، فمثلا، إذا لم ينم جيدا فلن يؤدي مباراة جيدة في الميدان، كما أن اللاعب في كرة القدم حينما لا يحب المدرب، لا يقدم الأداء الكبير، ولاعبو الفريق الوطني يحبون جمال بلماضي كثيرا.

لماذا؟

❊❊ لأنه مغترب مثل الكثير منهم، ولأنه نجم، وحينما يتكلم مع محرز يقول له إنه لعب قبله في مانشستر سيتي، وأن سيرته كلاعب يعرفها الجميع. كما اختار اللعب للجزائر حينما كانت الاتحادية تمر بظروف صعبة، ولم يشأ الانضمام إلى فريق الآمال بفرنسا، وهو قريب من اللاعب ويفهمه، واعتزل الملاعب مؤخرا، وبالضبط سنة 2010، وتحصّل على أعلى شهادة في التدريب في 2018، أي أنه مواكب للتطورات الحاصلة في رياضة كرة القدم.

وهي الأمور التي تعتقد أنها لم تتوفر في رابح ماجر، أليس كذلك؟

❊❊ اختيار رابح ماجر لتدريب المنتخب الوطني كان خطأ، وكان سيتسبب في اعتزال بعض اللاعبين، فماجر توقف عن التدريب 15 عاما، وبالتالي لم يواكب التطورات الحاصلة في الكرة. وقد كنت شاهدا على طريقة تدريب المنتخب الجزائري من طرف المدرب كريستيان غوركيف، التي لم أر مثلها من قبل، فكأن الفريق يتدرب على المسرح، وكنت أتساءل كيف سيستخدم اللاعب ذكاءه لتطبيق تمرين المدرب؟ وهنا تصبح الحصة التدريبية مشهدا إبداعيا، لا يمكن أن تشاهده مع ماجر.

وبالمقابل، بلماضي حينما جاء إلى الجزائر ليتكون رغم أنه كان يقيم بقطر، كان بعض اللاعبين القدامى يتذمرون من ساعات التكوين الطويلة، والمقدرة بـ 160 ساعة. وفي الأخير تحصّل بلماضي على شهادته. أما هم فكانوا ينتظرون الوزير آنذاك ليسلمهم إياها، إلا أنهم لم ينالوا مرادهم، وها هم اليوم يحتلون بلاطوهات القنوات التلفزيونية ويهاجمون بلماضي.

هل تعتقد بوجود قطيعة بين الإعلام والفريق الوطني الجزائري لكرة القدم؟

❊❊ حاليا أنا بعيد عن الإعلام الرياضي، إلا أنني لا أعتقد بوجود قطيعة بين الإعلام والفريق الوطني. هناك انتقادات زائدة عن حدها، وأشياء من المفروض أن لا تكون، وتحليلات سوقية في البلاطوهات التلفزيونية، نسمع أفضل منها في المقاهي.

غادرت الإعلام الرياضي سنة 2017، سنتين بعدها يفوز الفريق الوطني بكأس إفريقيا، ألم تشعر بالحسرة لأنك كنت بعيدا عن هذا المحفل؟

❊❊ كثيرا، لكنني شاركت في محافل أخرى، أجملها مونديال البرازيل الذي كان من أسعد ذكريات حياتي، حيث رافقت المنتخب خطوة خطوة. وأذكر أن المدرب وحيد حاليلوزيتش كان صارما جدا، فكان في الحقيقة مشوها داخليا بفعل حرب البوسنة، وكان يأمر اللاعبين بالصعود مباشرة إلى غرفهم في الساعة العاشرة، بينما نفس اللاعبين يتوجهون إلى غرفهم الواحد تلو الآخر ابتداء من الساعة العاشرة وعشرين، وهم يحيّون مدربهم كريستوف غوركيف على أمل اللقاء غدا في حصة تدريبية مشوقة. لقد كان صديقهم، وقد رفضوا رحيله، وتسببوا في رحيل المدربين الذين جاءوا من بعده، هكذا هو كتابي؛ مملوء بمشاعر إنسانية في أدب كرة القدم، يستحق القراءة.