تكريم الإعلامي أحمد فريد الأطرش بالمكتبة الوطنية

عرفان بعطاءات جيل الزمن الجميل

عرفان بعطاءات جيل الزمن الجميل
  • 839
 مريم. ن مريم. ن

بادر نادي "الكلمة للفكر والأدب"، أول أمس، في المكتبة الوطنية، بتكريم الإعلامي والفنان أحمد فريد الأطرش، عرفانا لمشواره الحافل ومبادئه الوطنية، التي التزم بها دونما مساومة، وقد اعتبر الأطرش المناسبة تكريما لجيله، الذي له ما يقوله للأجيال الصاعدة، تفاديا للقطيعة، وتثمينا لتراكم التجارب والخبرات والمواقف. استهل اللقاء بعرض شريط مصور، يقدم مسيرة هذا الإعلامي والفنان الخطاط، وكذا نشاطه الفكري وكتاباته ومواقفه الإنسانية والوطنية، في أحلك الظروف التي عاشتها الجزائر. وشهد الحفل حضورا مكثفا للمثقفين والإعلاميين وبعض الفنانين، الذين توالوا لتقديم شهاداتهم عن زميلهم وصديقهم المحبوب الأطرش، ولم تخل الأجواء من الحميمية وخفة الظل والكلمات الرقيقة، والتصافح والعناق والابتسامات والدموع، مما يدل على  متانة العلاقات بين أبناء هذا الجيل.

أشار الأستاذ جمال غلاب في شهادته، إلى أن المكرم هو ابن شهيد كان في صفوف جيش التحرير، حاملا سلاحه لتحرير وطنه، ثم أصبح هذا الابن البار صحفيا مر على العديد من المؤسسات الإعلامية، وكان أيضا ولا يزال، خطاطا محترفا، مضيفا أن الأطرش كباقي أبناء الشعب الجزائري، بعد الاستقلال، خاصة أبناء الشهداء، لم يولد في رغد العيش، بل كافح للوصول إلى ما وصل إليه، شاكرا نادي الكلمة للفكر والأدب (متفرع عن جمعية الأيادي البيضاء) على هذه الالتفاتة، معتبرا أن استضافة المثقف هو شرف.

بدوره، تحدث الشاعر الكبير سليمان جوادي عن صديقه الأطرش، ليقرأ في بداية تدخله قصيدة، يقول في مطلعها "لما أراك صاحبي أراني"، مؤكدا أن هذا المثقف هو مرآة لكثير من الأشخاص الذين يرون فيه دواخلهم، وأضاف أنه عرفه منذ 45 سنة، كخطاط وصحفي بجريدة "النصر"، علما أنه خط له ديوانه "أغاني من الزمن الهادئ"، وعندما انتقل إلى العاصمة، أتى به وبكل أصدقائه المثقفين، ليلتحق جوادي بجريدة "الشعب" بفضله، رغم أن جوادي كان مرتبطا بمجلة "ألوان"، زيادة على عمله في الإذاعة والتلفزيون، ليصبح الصديقان دوما إلى جانب بعضهما.

وهنا استعرض المتحدث بعض الأحداث التي وقعت حينها، منها مشكل إيقاف الراحل عبد القادر طالبي، وكيف تدخل الأطرش لحل النزاع كعادته مع الجميع، وتحدث أيضا عن شبكة الأصدقاء الممتدة عبر الوطن، منها بختي بن عودة من وهران وعياش يحياوي وسمير رايس وزينب قبي وغرمول وغيرهم، وحينها كانت اللقاءات والمراسلات في عز زمنها، وشهد المتحدث أيضا على شهامة الأطرش، وتفضيل الغير على نفسه، حتى في حالة المرض، لينسى نفسه كالعادة، ويختم بالقول، إنه سعيد بانتمائه لزمن الأطرش الجميل، علما أن العلاقة لا تزال متينة.

أما الدكتور الطاهر دحماني، فشكر المنظمين على المبادرة والتكريم الذي من الواجب دوما أن يكون في حياة المبدع، وليس بعد رحيله، داعيا المجتمع المدني إلى تبني مثل هذه المبادرات وامتدادها لقامات لا تزال مهمشة، وقال إن الحديث مع الأطرش لا يخلو من عبق التاريخ، وأن له تمثال عرفان في قلوب أصدقائه. تحدث أحمد خيتاوي عن صديقه الأطرش بكثير من الذكريات، خاصة بالتلفزيون الجزائري، وقال إن هذا اللقاء هو مبايعة لهذا المثقف الذي علم الكثيرين، وصحح أخطاءهم، منها اللغوية. وصعدت للمنصة أيضا السيدة فطوم، حرم الشاعر جوادي، وهي المعروفة بأخت الأطرش، وقالت إن المكرم مليء بالحياة والشهامة، له مواقفه الإنسانية التي لا تمحى.

من الشاهدين أيضا، السيدة سعاد سرحان، إطار سابق في الإذاعة الوطنية، تتلمذت على يد الأطرش وارتبطت في بدايتها المهنية باسمه، لحبها الشديد للراحل فريد الأطرش، وتكتشف معه فيما بعد، المهنية والموضوعية وخفة الظل. ومن الشهادات المؤثرة؛ شهادة صديق الأطرش، عبد الرحمن خلاص، الذي كان يرى فيه الشبه الكبير مع أخيه الأكبر الذي رباه وأحبه (رحل منذ أكثر من سنة)، وعشق بفضله أغاني فريد الأطرش، ثم يكتشف في الجرائد اسم الأطرش، ليقرأ له، ثم يعرفه منذ 26 سنة ويصبح مقربه، علما أن العلاقة تعززت في العشرية السوداء، حينها كان الغضب منصبا على الإرهاب وبضرورة مواجهته، تماما كما حدث من قبل مع الاستعمار، وغالبا ما كان يسمي الأطرش خلاص بـ"ربيبي" (أي ابن الزوجة). واستعرض الصادق سلايمية، مسيرة ابن الشهيد ووحيد أمه الأطرش، وورث عنه كل أنواع المروءة والأخلاق والتواضع، وقد عرفه منذ 35 سنة بجريدة "الشعب"، ثم قرأ قصيدة رائعة أهداها للمكرم.

من التدخلات أيضا، تدخل الأستاذ خليفة بن قارة، الذي طالب بحضور الشباب لمثل هذه الندوات، لأنه الجيل الخلف، ووصف الأطرش بفريق التتابع الرياضي الذي خلف جيل الثورة، وبعدها كانت شهادات الكثيرين من الإعلاميين والفنانين وغيرهم، ليؤكد أحمد فريد الأطرش في الختام، أن هذا التكريم هو تكريم لجيله، وأنه كان دوما عنيفا مع من يعتدي على اللغة العربية في كتاباته، ثم بكى حينما استعرض مسيرته، خاصة عندما تذكر آخر ما قاله والده الشهيد، حين توجهه للحدود الشرقية، ليوصي زوجته قائلا "علميه".

فأخذ هو بالوصية واجتهد لدرجة أنه تخطى مراحل الثانوي مباشرة للباكالوريا، وحاز على معدل 17.41، ثم التحق بالعمل في الإذاعة، لتختاره لجنة كان منها أكرم مطاوع وسعد أردش وعيسى مسعودي، وينتقل بعدها عبر عدة مؤسسات إعلامية، ذاكرا بعض مواقفه وأعماله، متذكرا بتأثر حب المجاهد عيسى مسعودي له، وأنه كان الوحيد الذي يمسك بذراعه ليساعده على صعود سلالم الإذاعة، ويقول له "أنت تساعدني لأنك ابن شهيد". وانطلقت بعدها مراسم التكريم بباقة ورد ووسام عرفان ولوحة للفنان حميد سبع، من خنشلة، وسط قبلات وأحضان الأصدقاء الأوفياء من الزمن الجميل.