كريم زياد
عازف عالميّ بأنامل من ذهب

- 849

كريم زياد عازف جزائري على آلة “الباتري”، ذو سمعة دولية. “معلّم” يتنفس الموسيقى بأنامله، ومحب للثقافات بفكره. تعامل على مر مسيرته الحافلة، مع كبار الموسيقيين والفنانين من الجزائر وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والعالم. ويعود في لقاء مع وأج على هامش فعاليات الإقامة الموسيقية “وان بيت الصحراء”، إلى طفولته بالعاصمة، وإلى بداياته مع الموسيقى بحي بلكور العتيق، مع فرقة “بابا سالم” المتجولة وموسيقى الديوان، إحدى الطبوع الفنية المفضلة لديه.
يقول زياد ـ وهو من مواليد 1966: “لما كنت صغيرا لا أتجاوز الرابعة من العمر، كنت مبهورا بـ “بابا سالم” التي أسرّتني من أول وهلة، أسرّتني بحضورها الفرجوي الغريب، وبعزف أفرادها على الطبولة (آلة الطبل) والبندير والقرقابو (..). تلك المشاهد والأحاسيس لم تفارقني يوما (..). لاأزال أتذكر أصوات وأهازيج الفرقة، عالقة في ذهني كمادلين بروست ..”، يضحك الفنان، مؤكدا أن الحس الموسيقي قد تغلغل في روحه منذ ذلك الوقت. ويضيف زياد: “مع بداية الثمانينيات بدأت العزف على الباتري التي “اشتراها لي والدي، غير أن مساري الاحترافي كان بانضمامي لفرقة عاصمية كانت تحيي حفلاتها بالفنادق والأعراس والنوادي، والتي بفضلها ومن خلال عزفي على الباتري، بدأت التعرف على تقاليد الموسيقى الجزائرية وإيقاعاتها”. وكانت اللحظة الفاصلة في مسار الفنان لما هاجر إلى فرنسا بعد أحداث أكتوبر 1988، التي “أجبرته على الرحيل”، كما يقول، “حاملا معه حلمه بأن يعيش بالموسيقى ..”، وهكذا فقد ترك، نهائيا، دراسته الجامعية في الجزائر، وانضم لمدرسة موسيقية (كونسرفاتوار) بالعاصمة الفرنسية باريس.
وفي فرنسا بدأ زياد بالبروز تدريجيا، كعازف بارع على “الباتري”، فتعاون مع الشاب مامي طوال الثمانينيات والتسعينيات. كما عمل مع الشاب خالد، وصعد معه على مسرح “الأولمبيا” الشهير بباريس في عزف افتتاحي منفرد. وقد تعامل، أيضا، مع المؤلف الموسيقي الفرنسي ذي الأصول الفيتنامية نقوين لي، وهو فنان جاز شهير وعازف ماهر على الغيتار، حيث تُوج تعاونهما بصدور “سي دي” في الجاز بعنوان “مغرب وأصدقاء” (1998)، مزجا فيه بين الموسيقى الفيتنامية والجزائرية المغاربية.
يقول زياد إن مسيرته الفنية عرفت انطلاقة “كبيرة” أخرى بعد مغادرته إلى الولايات المتحدة على إثر تعاونه مع الفنان وعازف البيانو النمساوي الشهير جو زاوينول، الذي كانت فرقته “ويذر ريبورت” من أشهر فرق الجاز الأمريكية في السبعينيات والثمانينيات، حيث عمل معه لأربع سنوات، ونشطا معا الكثير من الحفلات بالولايات المتحدة وخارجها. ومع الوقت بدأ تفكيره يتوسع أكثر فأكثر، ويتجه نحو إنتاج موسيقى خاصة به، فأسس فرقة “إفريقية” في 2001 التي أصدرت 6 سيديهات، على غرار “يوبادي” الذي تعاونت فيه مع معلّم القناوة المعروف حميد القصري، وكل هذه الألبومات اندرجت في إطار “موسيقى العالم”، وشارك فيها موسيقيون معروفون من مختلف الطبوع والبلدان، في حين أن الألبوم المعنون بـ “جديد”، كان في الجاز وبتأثيرات شمال إفريقية، وهو من أبرز العوالم الموسيقية التي “يعشقها” الفنان.
وفي عام 2015 تعاون زياد مع مواطنيه أمازيغ كاتب، وهو مغنّ وعازف على “القمبري”، ومحمد عبد النور المعروف بـ “بتي موح”، وهو مغنّ في طبع “الشعبي” وعازف على البانجو والماندولين والعود، حيث نشط ثلاثتهما حفلات موسيقية مشتركة في الصين على مدار شهر كامل.
وأحيا زياد حفلات بهولندا وألمانيا والمجر وغيرها من البلدان، تميز خلالها في الجاز و«موسيقى العالم”، وأيضا الديوان “الطقس الإفريقي الذي تشتهر به الجزائر وشمال إفريقيا”، والذي يصفه الفنان بـ “فن مغاربي بامتياز، ويحتفي بالجذور الإفريقية للمنطقة”.
وعن الحضور الكبير لـ “الديوان” في بشار، يؤكد زياد أن “الثقافة الإفريقية ممثلة جيدا فيها، من خلال هذه الموسيقى التي يتنفسها أهل المنطقة ..”، مضيفا أن هذا الفن “يعكس، بشكل رائع، الانتماء الإفريقي للجزائر ..”.
الموسيقى الجزائرية عالمية وفخور بالجيل الجديد
يَعتبر زياد ـ وكله فخر ـ أن الموسيقى الجزائرية “عالمية”، بل هي “الأشهر دوليا بعد الأمريكية والأوروبية (..). ويكفي أن نذكر هنا أسماء مغنين وموسيقيين من طبوع كالراي، والشعبي، والديوان، وصلت أعمالهم إلى كل مكان في هذا العالم، على غرار خالد، ومامي، ودحمان الحراشي ..”، لافتا في سياق كلامه، إلى أن هذا التراث “متنوع ومبهر”. ويردف الفنان بحماسة أن الإيقاع (الريتم) الجزائري والشمال إفريقي “مميز جدا”، وأنه عمل “لسنين طويلة، على التعريف بخصوصياته لدى الأمريكيين والفرنسيين وبقية الأوروبيين، وقد صارت لهؤلاء معرفة جيدة بها من خلال ألبوماته المختلفة”. غير أنه يعتبر أن الموسيقى “عابرة للحدود الجغرافية”، وأن “التراث الموسيقي عبر العالم لا يعترف بهذه الأخيرة، فالحدود الثقافية والحدود الجغرافية ليست نفسها”، كما يقول، ولهذا فإن البلدان المغاربية، مثلا، تشترك في عدة طبوع موسيقية وتراثية كالديوان (القناوة).
وعن مشاركته في “وان بيت الصحراء” أعرب زياد عن “سعادته بالدعوة وبمشاركته كمكون ومدرب (..) بخبرته وبتجربته كموسيقي ..”، موضحا أنه “يقدّم دروسا في الصولفاج للموسيقيين المشاركين، الجزائريين منهم والأجانب، ويعلّمهم إيقاعات شمال إفريقيا وكيفية فهمها، والإيقاعات الأسيمترية الصعبة التي يريد الجميع مفاتيحها..”، يضيف الفنان.
وعبّر المتحدث عن “افتخاره” بالجيل الجديد من الموسيقيين الجزائريين، معتبرا أنهم “وصلوا إلى مستوى لم نتمكن نحن من الوصول إليه لما كنا في مثل أعمارهم..”. وختم زياد بالقول إن لهذه الإقامة “تأثيرا إيجابيا جدا على صورة الجزائر”، وأن “الأمريكيين انبهروا بجمال البلاد وتراثها غير المادي رغم أنهم لم يكونوا يعرفون عنها الكثير..”، داعيا في هذا الإطار إلى استغلال الأماكن السياحية كتاغيت، “حيث الترحاب، والسلم وجمال الطبيعة الخلاب”.