الأستاذ الباحث سليم سوهالي لـ"المساء":

ضرورة التصدي للمخططات الصهيونية الخبيثة

ضرورة التصدي للمخططات الصهيونية الخبيثة
الأستاذ الباحث سليم سوهالي
  • 48
لطيفة داريب لطيفة داريب

تحدث الأستاذ الباحث سليم سوهالي لـ"المساء" عن محاولات الحركة الصهيونية تهويد التاريخ والذي لم يمس فقط فلسطين بل توسّع إلى العديد من الدول العربية بما فيها الجزائر.

عرّف الأستاذ سليم سوهالي لـ"المساء"، عملية تهويد التاريخ بمحاولة إعادة صياغة تاريخ فلسطين والمنطقة المحيطة بها لعكس هوية يهودية حصرية، مضيفا أنّ الحركة الصهيونية تسعى منذ نشأتها في القرن التاسع عشر إلى تعزيز ارتباط اليهود بفلسطين عبر تقديم روايات تاريخية تعتبر الأرض "يهودية"، وتتجاهل التنوّع الحضاري الذي عرفته فلسطين عبر آلاف السنين.

وقدّم الباحث مثالا بكتاب المفكّر والباحث السوري فراس السواح المعنون بـ"الاغتصاب التوراتي للميثولوجيا الكنعانية" والذي تناول فيه كيفية تقديم عناصر من الميثولوجيا الكنعانية القديمة ضمن النصوص التوراتية، مؤكدا استفادة التوراة من أساطير وقصص حضارات الشرق الأدنى القديم مثل الكنعانية والفينيقية، وإعادة صياغتها بشكل يخدم السردية اليهودية الدينية.

واعتبر المتحدّث أنّ فكرة تهويد التاريخ ظهرت مع تأسيس الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، وهدفها الأساسي كان إيجاد وطن قومي لليهود في فلسطين. ولتعزيز هذا الهدف، لجأت الصهيونية إلى استخدام الروايات الدينية والتاريخية لدعم حق اليهود في الأرض. بالتالي، أصبح الترويج لفكرة أنّ فلسطين كانت "أرض الميعاد" لليهود مسعى رئيسيًا لشرعنة إقامة دولة إسرائيل، بالإضافة الى إعادة تصنيف الآثار والمواقع التاريخية في فلسطين على أنّها "يهودية" رغم عدم وجود أدلة كافية تدعم هذا التفسير .

وتابع أنّ إسرائيل قامت بتغيير أسماء القرى والمدن الفلسطينية إلى أسماء عبرية أو توراتية، ما ساعد على محو الهوية العربية والإسلامية وجعلها تبدو ذات طابع يهودي قديم. علاوة على تركيز المناهج التعليمية الإسرائيلية على السردية التاريخية اليهودية وإغفال ذكر التاريخ الفلسطيني، ما قد يرسّخ في أذهان الأجيال فكرة أنّ الأرض كانت دائمًا "يهودية".

وقال سوهالي إنّ محاولات تهويد التاريخ تسعى إلى طمس الهوية الفلسطينية وتهميش تاريخ الشعب الفلسطيني وثقافته، ما يهدّد التراث الفلسطيني وكذا الهوية الفلسطينية وحتى الأرض. بالمقابل، أكّد استغلال الرواية التاريخية اليهودية لدعم المطالب السياسية لإسرائيل على الأرض الفلسطينية، إذ يؤدي هذا التوظيف السياسي إلى تحويل التاريخ إلى أداة لتحقيق النفوذ والسيطرة، بدلًا من كونه دراسة حيادية للأحداث. وتابع مجدّدا أنّ تهويد التاريخ يزيد من تعقيد النزاع في المنطقة، ويُصعّب الوصول إلى حلول سلمية ويغذي مشاعر الظلم والاستياء لدى الفلسطينيين الذين يحاولون رفقة العرب مواجهة هذا التعدي.

الأبحاث المستقلة من شأنها حماية تاريخ فلسطين

في هذا السياق، يسعى العديد من الأكاديميين الفلسطينيين والعرب والمسلمين في العالم إلى نشر أبحاث تُبرز تاريخ فلسطين المتنوّع وتدحض بعض التفسيرات الإسرائيلية التي تفتقر إلى الأدلة العلمية، بالإضافة إلى اعتماد وسائل الإعلام والمنصات الثقافية الفلسطينية على نشر تراث وتاريخ الشعب الفلسطيني، بهدف تعزيز الهوية وحماية الذاكرة الجماعية، وكذا تسجيل التراث الشفوي حيث يُعتبر توثيق القصص الشعبية وسيلة فعّالة للحفاظ على الهوية والتراث، ويعكس حياة الناس وتجاربهم عبر التاريخ.

وذكر المتحدّث أنّ المجتمع الدولي يمكن له المساهمة في حماية التاريخ الفلسطيني من خلال دعم الأبحاث المستقلة وتوفير منصات للنقاش الثقافي والتاريخي حول فلسطين، إضافة إلى تشجيع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى على الحفاظ على التراث الإنساني بمختلف جوانبه الثقافية والتاريخية.

الجزائر معنية بسياسة التهويد

في إطار آخر، اعتبر سوهالي أنّ بلدنا الجزائر أصبح هدفا لمثل هذه العمليات المبرمجة الدقيقة، وقدّم مثالا بوجود مواقع على الانترنت تعمل من أجل تهويد الفلكلور الجزائري بل المغاربي ككل، مثل الموسيقى واللباس وأمور أخرى يزعم اليهود أنّها لهم .

وتحدّث عن يهود الجزائر فقال إنّ أغلبهم من الأندلس عاشوا في بلدنا بسلام لقرون من الزمن، لكنّهم تحوّلوا إلى فرنسيين في الفترة الاستعمارية بموجب قانون كريميو عام 1870، بينما اعتبر المسلمين الجزائريين في الفترة الاحتلالية، مواطنين من الدرجة الثانية خاصة أن قانون كريميو خلق تمايزاً اجتماعياً بين اليهود والمسلمين وأدى إلى تغيير كبير في هوية اليهود الجزائريين، حيث أصبحوا يُعتبرون فرنسيين من الناحية القانونية. وأضاف سوهالي أنه خلال  ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)، وجد اليهود أنفسهم في موقف حساس، إذ اعتبرهم الجزائريون مرتبطين بالسلطة الاستعمارية الفرنسية بسبب الجنسية الفرنسية التي حملوها بفضل قانون كريميو.

وبعد استقلال الجزائر عام 1962، قرّر معظم اليهود مغادرة البلاد مع المغتربين الفرنسيين، خاصةً بسبب انعدام الثقة والتوترات الاجتماعية التي نشأت خلال الثورة الجزائرية. وهكذا، غادر أغلب اليهود الجزائر كمواطنين فرنسيين، وليس كيهود، وتوجّه معظمهم إلى فرنسا أو إسرائيل.

أما في الفترة الحالية، تقود الحركة الصهيونية العالمية حملة بهدف اغتصاب تراثنا وثقافتنا المتجذّرة وتهويدها وهناك مئات المواقع الالكترونية تعمل لتحقيق هذا الهدف فنسب اليهود  العديد من الأمور لهم والغريب أنّ هناك من يصدق هذه الأطروحات، يستغرب المتحدّث، ويضيف أنّ ذلك راجع إلى غياب الوعي وغياب دور الباحثين والهيئات المعنية لتنوير الناس، فمن الضروري القيام بحملات توعوية لفضح هذه المؤامرة التي تحاك في الخفاء .

ودعا سوهالي إلى الردّ على كلّ ادعاءات اليهود بالحجة والدليل من طرف المؤرّخ والفنان والإعلامي وصنّاع السينما وصنّاع المحتوى وكذلك إيجاد برامج ثقافية توعوية توجّه لأطفالنا في المدارس، فالمخطّط الصهيوني العالمي يستهدف شعوب المنطقة بغرض تطبيق أجندة معيّنة وفرض واقع معيّن، لهذا فنحن مهدّدون إنّ لم نتحرّك لحماية تراثنا. 

كما أكّد سوهالي أنّ الحفاظ على التراث يُعتبر حمايةً لهوية شعب، فالتراث يمنح لنا الحصانة الثقافية، ليدعو مؤسّساتنا الثقافية التخلي عن البيروقراطية والانتباه لخطورة الوضع، من خلال الاعتماد على الفنون مثلا خاصة في مجال السمعي البصري، فعالم اليوم تتحكّم فيه الصورة والصوت. وتحدّث سوهالي أيضا عن ضرورة تسهيل مهمة النخبة والفنانين الحقيقيين الذين يؤمنون بتضحيات الشهداء للتصدي لمثل هذه المخططات الخبيثة وليس الاعتماد على "مهرجين" هم عبارة عن فزاعات لا غير، مشيرا إلى أنّ ما ذكره في المقال، يعتبر جزءا من ردّه على كتاب "الجزائر يهودية" للكاتبة هادية بن ساحلي.