مسرح عين الدفلى الجهوي يدخل منافسة المحترف
"صرخة الأسود".. تحية لأصدقاء الثورة الجزائرية

- 790

عُرضت مسرحية "صرخة الأسود" من إنتاج المسرح الجهوي بعين الدفلى، أول أمس، ضمن مجريات المنافسة الرسمية للدورة السابع عشرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف بالمسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي". هذا العمل الدرامي الثوري الذي يمزج بين التراجيديا والتجريب الفني، يشيد بالذاكرة الجماعية، ويبرز الدور الذي لعبه الأحرار الفرنسيون، الذين دعموا الكفاح من أجل الاستقلال.
المسرحية من إخراج سيد أحمد قارة، ومن إعداد درامي للدكتورة سهيلة بلحوالة عن نصّ للراحل عبد الحليم رايس. وهي عمل مسرحي يمزج بين التقاليد والحداثة، من خلال مقاربة تجريبية، تقدّم المسرحية قراءة ركحية جديدة للثورة الجزائرية، تجمع بين الابتكار الفني والذاكرة التاريخية. وتدور أحداث المسرحية حول شخصية فرانسوا، الفرنسي الحرّ الذي حوّل منزله إلى ملجأ للمجاهدين أثناء حرب التحرير. ومن خلال هذه الحبكة تُبرز المسرحية شخصيات تاريخية؛ مثل موريس أودان، وبيير شوليه، تركوا بصمة من خلال التزامهم بالقضية الجزائرية.
وتصل ذروة القصة عندما يقتحم الجنرال بيرال وجنوده منزل فرانسوا، ويحوّلونه إلى مركز اتصال لتحضير هجوم ضدّ "المجاهدين". وتنشأ مواجهة مؤثرة تمزج بين الحب، والتعذيب، والتضحية، والبطولة؛ المشاهد التي تحمل شحنة عاطفية قوية، تأسر الجمهور، وتُبرز روح المقاومة في مواجهة القمع الاستعماري. أحمد، الشاب الذي تخلى عن دراسته للانضمام إلى صفوف المجاهدين، يقع في قبضة الاستعمار، ويُعرَّض للتعذيب الوحشي؛ يُحرم من الطعام والماء؛ في محاولة لإجباره على الكشف عن مكان اختباء المجاهدين، لكنه يبقى صامداً ولا يخون قناعاته.
وتلعب فاطمة، ابنة سعيد صاحب المنزل الذي استولى عليه الاستعمار، دوراً حاسماً في مصيره؛ حيث يتم إطلاق سراحه بفضل تدخّلها. لكن أحمد الذي واصل كفاحه بشجاعة، يُغتال غدراً على يد المستعمرين. واستمرت المسرحية لمدة ساعة. وقدّمت رسالة إنسانية عميقة تحتفي بالشجاعة والتضحية والتضامن في وجه الظلم. ومن خلال شخصياتها الإنسانية وحبكتها المؤثرة، سلّطت الضوء على أهمية الالتزام الفردي والجماعي في الكفاح من أجل الحرية.
وأكد المخرج سيد أحمد قارة خلال النقاش الذي تلا العرض، قائلاً: "ثورتنا كانت ثورة شعبية بامتياز. من أصغر الأطفال إلى أكبر الشيوخ، في كلّ قرية وكل دوّار، كان لكل جزائري دور في الثورة. شخصياتنا مثل سعيد وأحمد وفرانسوا، تمثل هؤلاء الأبطال، الذين كانوا حاضرين في كلّ زاوية من الجزائر. وغالباً ما يتم نسيانهم في التاريخ. أردنا أن نصحّح بعض الأفكار، ونُظهر أنّ هذه الثورة رغم ألمها وعنفها، كانت، أيضاً، مغامرة إنسانية عظيمة، مليئة بالشجاعة، والتضامن، والإصرار". وأشار قارة إلى أنّ كسر الجدار الرابع في هذا العمل، كان قراراً واعياً لإشراك الجمهور بشكل فعّال.
وقال: "في هذه المسرحية كان الجمهور هو الممثل الثاني عشر. كسرنا الجدار الرابع عمداً. وأردنا أن يكون الجمهور جزءاً لا يتجزأ من العمل المسرحي. الفكرة كانت أن لا يكون الجمهور مجرّد متفرّج على القصة، بل يشعر بأنه يعيش الثورة من الداخل. لم يعد هناك مجرّد نظرة خارجية، بل مشاركة فعلية في هذه الذاكرة الجماعية".