للكاتب الياباني هاروكي موراكامي

صدور الترجمة العربية لرواية "تسوكور تازاكي عديم اللون وسنوات حجه"

صدور الترجمة العربية لرواية "تسوكور تازاكي عديم اللون وسنوات حجه"
الكاتب الياباني هاروكي موراكامي
  • 799
الوكالات الوكالات

صدرت، حديثا عن دار الآداب، رواية "تسوكور تازاكي عديم اللون وسنوات حجه" للكاتب الياباني هاروكي موراكامي، باللغة العربية عن ترجمة حسين المعيني.

في رواية "تسوكور تازاكي عديم اللون وسنوات حجه" التي صدرت حديثا عن دار الآداب، ترجمة حسن المعيني، يتعرف القارئ إلى بطل العمل تسوكور، الذي يبلغ من العمر 36 سنة، ويعمل مهندسا يصمم محطات القطارات، ويعاني فراغا داخليا، يترك ظلالا باهتة في داخله منذ كان في 20 من عمره حين قرر الانتحار؛ بسبب تخلي رفاقه عنه. وقد كانوا ثلاثة فتيان وفتاتين، التقوا في صف واحد في مدرسة حكومية، وأصبحوا أصدقاء.

وتغوص الرواية عميقا، لتسترجع ماضي تسوكورو، ولا سيما سنواته في المدرسة الثانوية، عندما كان لديه أربعة أصحاب يحملون أسماء ترتبط بالألوان، متناقضة مع اسمه الباهت؛ يقول: "من قبيل الصدفة أنهم جميعا يشتركون في أمر صغير؛ فأسماء عائلاتهم تشير إلى لون من الألوان. تازاكي هو الاسم الوحيد الذي لا يشير إلى لون؛ لذا منذ البداية شعر بأنه منبوذ، وهذا ما جعل الموت يسيطر على تسوكور، كان واضحا؛ فذات يوم أبلغه أصدقاؤه الأربعة المقربون أنهم لا يريدون رؤيته أو الحديث معه أبدا. كان القرار مفاجئا وحاسما، ليس فيه أي مجال للمساومة". وهكذا يتحول الأمر بالنسبة له إلى لغز مرهق، لم يتمكن من حله أو فهمه طوال هذه السنوات. كما لم يتمكن من نسيانه،  أو تجاوز ما حدث، بل ظل عالقا، أسير هذه المرحلة الحساسة من ماضيه. وفي هذه الفكرة تحديدا تكمن أهمية الرواية؛ إذ يكشف موراكامي كيف نظل عالقين في حدث مضى، من دون أن نتمكن من عبوره، فنقع أسرى تجربة نفسية، تحفر عميقاً داخلنا.

في أعماق البطل تسوكور تازاكي، يحس أنه يحب عمله في هندسة القطارات، وراض عنه، ولكن، بالتوازي مع هذا، ينتابه يقين داخلي أنه ليس لديه شيء يقدمه للآخرين أو حتى لنفسه رغم أن تعبيراته الداخلية عن نفسه تبدو شديدة الحساسية والعمق؛ كأن يصف لقاءه مع سارة الفتاة التي تكبره بعامين وقد شعر بعاطفة ما نحوها، قائلاً: "في مكان ما على ظهر تسوكور منطقة شديدة الحساسية، بقعة ناعمة لا يمكن الوصول إليها، ولكن ما إن تنكشف لأحد، يمر عليها بإصبعه، حتى يجيش شيء في داخل تسوكور. حين التقى سارا أول مرة، أحس بإصبع تمتد، وتضغط على تلك البقعة في ظهره".

ورغم ما يصف به إحساسه نحو سارة، فإنه كلما تخيل نفسه يحتضن امرأة، تحضر في ذهنه صورة صديقتيه القديمتين شيرو وكورو، ثم يعود وينبه نفسه إلى أنهما رفضتاه في الماضي، وتخلتا عنه.

ومن خلال الراوي العليم الذي يلقي الضوء بكثافة على ما يجري في العالم الداخلي للبطل، يتوقف موراكامي عند فكرة الرؤية الذاتية لأنفسنا؛ حتى يمكن اعتبار محاولته في هذا العمل، معارضة لفكرة فلسفية حول معرفة الإنسان لنفسه؛ فالبطل على مدار النص يمضي في مسار الشعور بالدونية وعدم التميز، بداية من اسمه "عديم اللون"، ومرورا بقناعته الذاتية بأنه ليس لديه ما يميزه، إلى حد يخيَّل إليه أنه مات نفسيا حين صده أصحابه وتخلوا عنه.

وفي الوقت الذي يقدم موراكامي هذا البطل ويضعه أمام مرآة مكبرة؛ كما لو أنه يطالبه بإعادة تقييم ذاته، مذكرا بأن الماء بلا لون أيضا، وأن الأشياء الخالية من اللون لا تعني أن من الممكن الاستغناء عنها، لكن كل هذا يرتبط بمنظور الرؤية.

وتعاود فكرة الألوان الحضور في حكاية هايدا الأب وحواره مع ميدوريكاورا، كاشفا عن رؤيته أن لكل شخص لونا يميزه؛ يقول: "لبعض الناس لون قوي جدا، ولآخرين لون خافت، يتعبك هذا الأمر أحيانا؛ إذ ترى كل هذه الألوان رغما عنك حين توافق على الموت، تحصل على قدرة استثنائية، رؤية الألوان التي تصدر عن البشر ليست إلا وظيفة واحدة لتلك القوة، لكن الأساس توسعة وعيك. ما إن تر المشهد الحقيقي حتى تصبح حدسا؛ شعورا يمزج بين الروعة وقلة الحيلة". ومن خلال هذه القصة ينعطف موراكامي إلى فكرة الزمن وانشطاره، وهي تحضر في معظم رواياته. تتجلى فكرة الزمن هنا في حوارات تسوكور الباطنية عن الموت، وعن العطب الداخلي؛ بسبب انسحاب الرفاق من عالمه.  حادثة التخلي تلك على ما تحمله من أهمية، تبدو مجرد حجة لتبرير سياق ما يمكن أن يقع من أعطاب نفسية خلال حداثة مرحلة الشباب، تفضي إلى شعور بغياب الزمن.

وفي الرواية تتكثف هذه الأفكار في حوار هايدا عن المنطق والفلسفة والموت والحياة. وفي تخيل تسوكور أن صديقه هو الذي حدث معه هذا وليس والده، مما يمنع من وجهة نظره أن يتحدى زمن الأب هايدا مع ابنه؛ ألم يكن الأب في مرحلة الشباب أيضا، حين أخذ قرار العزلة والانتقال إلى مكان بعيد في أعالي الجبال؟

وتظل القصة المحورية في حياة تسوكور، رغبته في معرفة السبب الحقيقي للتخلي، وبحثه عن جوهر الأمر، بتشجيع من سارة، التي تؤيده في ضرورة المعرفة من أجل إغلاق الباب إلى الأبد، ولكن مثل سائر روايات صاحب "الغابة النرويجية"، الحدث هو مجرد مبرر للرحلة، وليس المسار ولا الغاية؛ لأن معرفة السبب في ختام النص، لا يفضي إلا إلى رحلة الحياة نفسها، بجوهرها الغامض والمتشعب.