سهرة المالوف الثانية تستعيد ذاكرة قسنطينة وتحتفي بالتجديد
سقني يسترجع روح المدينة في رائعة "صالح باي"

- 147

أعاد الشيخ عبد الرشيد سقني، أحد أبرز تلامذة الراحل محمد الطاهر فرقاني، الحياة إلى قصيدة "صالح باي" التي تُعدّ من أقدم وأشهر ما يتداوله عشّاق المالوف. وعلى ركح مسرح "فرقاني" انطلقت الألحان بطلب من محافظ المهرجان الدولي للمالوف إلياس بن بكير، وضيف الجزائر الفنان التونسي زياد غرسة، فكان الأداء مزيجاً بين حزن الفقد، وحنين المدينة لرمزها التاريخي.
تجاوب الجمهور بحرارة مع صوت الشيخ الذي استهل الوصلة باستخبار مؤثّر، ليتحوّل أداؤه لاحقاً، إلى نشيد جماعي ردّدته القاعة بكثير من الشغف.
أغنية "صالح باي" لم تكن مجرد مقطوعة فنية، بل شاهدة على مرحلة مفصلية من تاريخ قسنطينة العثمانية، وصدى لذاكرة جماعية ماتزال تنبض بالحياة.
هند الزواري تمزج المالوف بموسيقى العالم
أما الفنانة التونسية هند الزواري، فقد اختارت أن تمنح السهرة بعداً عالمياً؛ بمزج المالوف بأنغام متوسطية، وأخرى أوروبية وشمالية. من أغنيتها المؤثرة " المهاجر" التي أهدتها لكلّ من اضطر لترك وطنه، إلى إعادة توزيع "البنت الشلبية" بروح عصرية، ثم مقطوعتها الصوفية "طالما أشكو غرامي" التي جمعت بين الرهافة الأندلسية والإيقاعات الإسكندنافية. وبدا العرض كجسر موسيقي يعانق الثقافات.
الزواري اختتمت بموشح "يا مدهل الراح" وأغنية "سيدي منصور"، لتعيد القاعة إلى أجواء احتفالية صاخبة، أثبتت أن المالوف قادر على مخاطبة العالم دون أن يفقد هويته.
«بلبل المالوف" بن زينة… يطرب الجمهور
كان الموعد مع صوت استثنائي في السهرة الثانية، هو الفنان عبد العزيز بن زينة، الذي يلقب بـ«بلبل المالوف". وكان حضوره بمثابة لقاء مع الأصالة والتجديد في آن، حيث قدّم توليفة منوّعة، شملت "عند الباي منصور" و«قدام دارك"، وسط تصفيقات وزغاريد الجمهور.
واختار بن زينة النزول إلى القاعة، والاحتكاك المباشر بجمهوره، ليحوّل اللحظة إلى حوار موسيقي جميل.
ومع "بالله يا حمامي" و«عشيق ممحون" تزاوج صوته مع الناي والجمهور؛ في ثنائية جسدت روح هذا الفن العريق.
بهجة رحال تضيء الركح بروح الصنعة
الفنانة بهجة رحال القادمة من العاصمة، افتتحت وصلتها الغنائية بمقتطفات من نوبة السيكا، لتشدّ الجمهور بقصيدة "يا ليل الله يا ليل" ، بأداء تميّز بالتحكّم في المقامات، والدقّة في النقل؛ ما أضفى على السهرة مسحة من الصفاء الروحي.
ولم تكتف رحال بالقطع الكلاسيكية، بل أضافت خلاصات وانصرافات، أبرزت قوّة المدرسة العاصمية في المزج بين التقنية الصارمة، والدفء العاطفي، وهو ما جعل الجمهور يتجاوب بحرارة؛ في لقاء أكد أنّ المالوف يظلّ لغة جامعة تتجاوز الجغرافيا.
تكريم الراحل عمار توهامي
اللحظة الأكثر تأثيراً في السهرة الثانية كانت تكريم روح الفنان عمار توهامي، الذي رحل بعد صراع مع المرض.
ووقف الحضور رفقة عائلة الفقيد دقيقة صمت، أعقبتها تصفيقات طويلة، جسّدت مكانته في قلوب عشّاق المالوف.
إدارة المهرجان سلّمت لعائلته درعاً رمزياً، وشهادة تقدير، في مبادرة تهدف ـ كما أكد المحافظ إلياس بن بكير ـ إلى إبراز مساهمات الراحل في نشر وترسيخ هذا الفن بمدينة قسنطينة.
ورغم الفراغ الذي تركه سيبقى اسم توهامي مرتبطاً بالمالوف، وبذاكرة المدينة التي أحبها.