الكاتب محمد بلحي في ندوة بالبليدة:

سرقة أرشيفنا زعزعتنا وأدعو إلى استرجاع كنزنا المفقود

سرقة أرشيفنا زعزعتنا وأدعو إلى استرجاع كنزنا المفقود
الكاتب محمد بلحي
  • 1155
لطيفة داريب لطيفة داريب

دعا الكاتب محمد بلحي إلى تثمين تراثنا وتقبل تنوعاته، والتعرف على تاريخنا العريق والتعريف به، حتى نُسكت كل من يشكك فيه. كما طالب أيضا بجعل وزارة السياحة حقيبة سيادية تخدم التراث وتجلب السياح. قدم الكاتب محمد بلحي كتابه "الحكم الطويل للداي محمد بن عثمان"، أول أمس، بمدرسة الفنون "كريشاندو" (البليدة)، الصادر عن المؤسسة الوطنية للنشر والاتصال والإشهار، كما قدم لمحات عن كتاب آخر صدر له منذ فترة عن الداي حسين. وفي هذا قال، إنه كتب عن الداي حسين كي يجيب عن السؤال التالي "لماذا استعمرتنا فرنسا سنة 1830؟". كما فند مزاعم البعض حول خيانة الداي حسين للجزائر، ليؤكد في السياق، وجود دولة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، كرد على ما صرح به مؤخرا، الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي شكك في تاريخنا العريق.

إقصاء المستعمر الفرنسي للنخب الجزائرية

ذكر المتحدث، أن الاستعمار الفرنسي حطم الجزائر داخليا وخارجيا، حيث أقصى منذ بداياته النخبة الجزائرية بكل تشعباتها، فلم تعد هناك نخبة ثقافية ولا اقتصادية ولا حتى دينية، وهو الأمر الذي لم يفعله في تونس والمغرب، وهكذا فقد حاول طمس معالم الهوية الجزائرية بدون هوادة، لدرجة أن أي جزائري إذا رغب في بناء مسكن على الطراز التي كان الجزائريون القدامى يبنون به، فلن يجد أي وثيقة أو رسمة حول ذلك.

أضاف بلحي أن فرنسا رفضت تدريس الجزائريين، ومن ثم، قررت عكس ذلك، لكن بشرط أن لا يصل الجزائريون إلى مراتب عليا في العلم، وأن يتخصص من سنحت له الفرصة لمواصلة دراسته في تخصصات معينة، مثل القضاء والصيدلة. كما حطمت الزوايا الكبيرة وحولت الأخرى إلى فلكلور محاولة منها للقضاء على اللغة العربية والدين الإسلامي، علاوة على نفيها للكثير من الجزائريين ومحاولة تمسيحهم. وتابع، أن الجزائريين جددوا مقاومتهم للمحتل، من خلال إنشائهم لأحزاب، حتى تنال الجزائر استقلالها وتجد نفسها أمام معضلة كبيرة تتمثل في غياب النخب، إذ كيف تؤسس الدولة الجزائرية بدون نخب؟.

الحكم العثماني للجزائر لم يكن استعمارا

عودة إلى كتب بلحي، حيث قال، إنه اهتم بالكتابة التاريخية بعد مسيرة طويلة في الصحافة، وهذا بفعل الشعور بفقدان معالمنا بفعل الاستعمار الفرنسي، الذي مزق الخيط الرابط بين الأجيال، حيث أن أي جزائري لا يمكنه معرفة أصوله البعيدة، وإن حاول فلن يتجاوز الجد الرابع، إلا القلة القليلة النادرة من العائلات التي احتفظت بأرشيفها.

تحدث بلحي عن اهتمامه أيضا بالكتابة عن الحكم العثماني في الجزائر، الذي قال، إنه لم يكن استعمارا مثلما أوحى به ماكرون، لأنه لم يأخذ ثروات الجزائر ولا جلب الأتراك للعيش فيها، كما أنه قَدِم إلى الجزائر بطلب من حاكمها. وأضاف أن العثمانيين أول من وحدوا أرض الجزائر التي كانت تحت حكم الزيانيين والحماديين، وكذا الثعالبة وغيرهم، وهذا لا يعني أنهم أوجدوا دولة الجزائر التي تعود أصولها إلى عهد ماسينيسا، إلا أنهم وحدوا الحكم وأصبحت عاصمتهم الجزائر، لوجودها في موقع جغرافي مهم، حيث تتوسط المسافة ما بين وهران وعنابة. تابع مجددا أن العلاقات بين الجزائر والدولة العثمانية كانت قبل القرن السادس عشر، كما أصبح للجزائر حكم ذاتي منذ سنة 1710، حيث كان الداي يوقع الاتفاقيات والمعاهدات باسمه.

كما رفض تسمية إيالة الجزائر التي أطلقها البعض ممن يريدون تصغير البلد القارة، لأن داي الجزائر وقع في بعض بأنه سلطان الجزائر وإفريقيا، كما كانت البحرية الجزائرية تتسم بالقوة والعبقرية. في هذا السياق، كان حسين داي يضع أموال الخزينة عند الخزنجي بالقصبة، وفي هذا توقف بلحي قائلا "قيل إن المال الذي سرقه المستعمر الفرنسي من الجزائر في حكم حسين داي، يقدر حاليا بستة ملايير أورو أو 20 مليار أورو، ويجب أن تطالب به الجزائر"، وأضاف "هذا المال أسس بنوك روتشيلد والسكك الحديدية بفرنسا.. نعم يجب أن نستعيد كنزنا".

التاريخ يعيد نفسه

توقف مجددا بلحي عند هذه النقطة، وقال "التاريخ يعيد نفسه، لقد وجد الداي حسين نفسه وحيدا، فقد خانه سلطان المغرب بموالاته لفرنسا، كما دعت فرنسا قبل الاحتلال، إلى عدم التهجم على الداي وإلا فازت إنجلترا وإسبانيا بالصفقات، والجزائر اليوم أيضا علاقتها غير حسنة بفرنسا والمغرب، واندلعت أيضا في السابق، حروب تحمل صبغة دينية، لكنها في الأساس اقتصادية، وهو ما حدث في الآونة الأخيرة، حينما خلقت فرنسا الإرهاب في مالي، لمنع توسع الجزائر تجاريا في مالي وموريتانيا".

في إطار آخر، امتعض بلحي من حاجة الجزائريين للافتخار فقط بكل ما هو جزائري مئة بالمئة، عكس جيراننا، مطالبا بضرورة تقبلنا تاريخنا بكل مراحله، ليذكر أن قبر أحمد باي الذي حارب الفرنسيين لمدة 17 سنة، منسي قرب ضريح الولي الصالح سيدي عبد الرحمن الثعالبي. وقدم مثالا آخر ببعض التونسيين، الذين يأخذون السياح الأمريكيين المولعين بالقديس أوغسطين إلى منطقة الكاف الحدودية، ويقولون لهم إنهم أمام منطقة عاش فيها القديس، ويضيف "نحن لا نأخذ رؤساء الدول في زيارتهم للجزائر إلى القصور العثمانية، لأنها لا تعتبر جزائرية".

فرنسا سرقت أرشيفنا

نادى بلحي بضرورة تقبل تاريخنا بجميع مراحله وتراثنا بكل تنوعاته، في حين تأسف جدا، لطمس المستعمر الفرنسي جوانب من هويتنا، حيث أخذ أرشيفنا الذي وجده عند العائلات الكبيرة والزوايا، باعتبار أن الجزائري كان يكتب عن الأحداث الجارية في محيطه، ولم يكن يقتصر فقط على نقل التراث شفهيا، مشيرا إلى أنه قبيل الاستقلال، أخذت فرنسا أيضا الأرشيف والمخططات، لهذا لا يمكن مثلا، معرفة مسار 200 واد في الجزائر، ولا حتى مخططات ما يوجد في قنوات الصرف، وهو ما يسبب الفيضانات".

أضاف أن فرنسا أخذت حتى الأرشيف المتعلق بـ«النوازم"، وهي الفتاوى التي كانت تقدم في القرون 14 و15 و16 حول الزواج والطلاق وغيرها، بالتالي لم نتمكن من معرفة الحياة اليومية للجزائرية في تلك الفترة. وتأسف عن اعتمادنا على أرشيف كتبه الآخرون عنا، حتى في الفترة النوميدية، التي كتب عنها اليونانيون والروم، ليطالب السلطات المختصة بالتحلي بالإرادة السياسية وفتح أرشيفنا، وفرض أنفسنا في عالم "النت"، حيث أن أغلب ما يكتب عنا، خاصة في صفحات "ويكيبيديا"، هو بأقلام الأقدام السوداء التي تحن إلى زمن كانت فيه الجزائر محتلة.