الدكتورة نورة بوحناش ضيفة "المنتدى الثقافي الجزائري" 

سجال بين المركز والهامش في المجتمعات

سجال بين المركز والهامش في المجتمعات
الدكتورة نورة بوحناش
  • القراءات: 689
 مريم. ن مريم. ن

استضاف المنتدى الثقافي الجزائري، مؤخرا، الدكتورة نورة بوحناش، للحديث عن "التقنية والاغتراب الثقافي في مجتمعات الهامش"، والتي اعتبرت مجتمعاتنا (الهامش) تعيش نوعا من الفوضى الثقافية والمعيارية، وحتى القيمية، وأنها في حالة الصدام بين مختلف التقاليد، وبين الحداثة التي تزاحم هذه المجتمعات دائما.

حاورها في هذه الندوة الدكتور عبد المالك بومنجل، الذي افتتح الندوة بتقديم سيرة ذاتية عن الدكتورة التي تشتغل كأستاذة جامعية بجامعة قسنطينة بقسم الفلسفة، وهي مديرة مخبر الدراسات الفلسفية والتاريخية، ولها مسار علمي حافل، ارتبط اسمها كثيرا بعالم القيم وعالم الأخلاق. واعترفت الضيفة بأنها اختارت هذا الموضوع كونه موضوع الساعة، فالإنسان المعاصر يهتم كثيرا بالتقنية؛ كونها أصبحت مفروضة على كل المجتمعات البشرية. كما اعتبرت أن التقنية هي ثقافة، وهي مرتبطة أساسا بالحداثة وبالمجتمعات الغربية. زد على هذا، فقد رأت أن التقنية سيرورة. وأما عن مجتمعاتنا (مجتمعات الهامش) فاعتبرتها تعيش نوعا من الفوضى الثقافية، المعيارية، وحتى القيمية. كما أن هذه المجتمعات في حال الصدام بين مختلف التقاليد، من جهة - هذه التي أصبحت في زوال وفي حركة نحو الموت - وبين الحداثة التي تزاحم هذه المجتمعات دائما.

وبخصوص قضية المركز والهامش، اعتبرت الدكتورة أن هذه الثنائية قد بحث فيها إدوارد سعيد من قبل، وهذا من خلال مطالبته الغرب بتفكيك المركزية الغربية، وبتأسيس نوع من الهجنة، التي ستتلاقح فيها مختلف الثقافات. وكما أنها لاحظت أن المجتمعات الغربية هي مجتمعات قدمت السردية، وأن هذه السردية حاولت أن تؤكد التفوق الغربي حتى وإن كانت نسبت إليها تاريخا مزيفا، إضافة إلى أن المركزية الغربية صورت العالم الغربي كمركز يتميز بكل خصائص التقدم والفوقية وخصائص الإبداع. وأما المجتمعات المحيطة بالهامش فصورتها بأنها مجتمعات تتلقى دائما تأثيرات هذا المركز. كما اعتبرت الدكتورة أن الاستعمار في أصله ما هو إلا نتيجة للكوجيتو الذي قرن بين التفكير والوجود، حيث صار عبره الفرد ينظر إلى الآخر على أنه هو الذي يحدد المعايير. وإذا كان مجتمع الهامش لا يملك المعايير فإنه هو الذي سيفرض عليه هذه المعايير. كما أن الآخر أصبح موضوعا للامتلاك؛ مثله مثل مختلف مواضيع الطبيعة، ولهذا نظرت الأنثروبولوجيا في القرن التاسع عشر إلى الآخر؛ باعتباره قابلا للتجربة والاختبار.

إن المأزق الذي نتج عن هذه الأفكار هو ما ظهر من تراتبية، سعت إلى أن تجبر مجتمعات الهامش على البحث عن الارتقاء نحو مجتمعات المركز، حيث راحت تلزمها بأداء الكثير من الواجبات باسم التقنية. وحسب الدكتورة، فإن مصير سياسات الهامش كانت الفشل؛ بحكم أنها لم ترتق إلى المركز؛ إذ لم تتمكن من عيش ثقافة التقنية. زد على هذا فهي مجبَرة على التأقلم معها رغم أن التقنية لا تهتم بثقافتنا، بل تهتم بثقافة المركز. واعتبرت الدكتورة أننا مطالبون اليوم بالبحث عن ثقافة الذات. كما ألحت على نقد هذا المجال، والنظر إلى التقنية نظرة فاحصة ونظرة نقدية. كما قالت إن التقدم يعيش في سياق تسارعي، ومجتمعات الهامش مضطرة للّهث والجري كي تكون في مستوى مجتمعات المركز. هذا المستوى الذي لن تصل إليه بحكم أن هذه المجتمعات لن تمدنا بأسرار التقنية. وضربت مثلا بما يحدث بين أمريكا وإيران وصراعهما حول تقنية التسلح. أما عن المجتمعات العربية فاعترفت بأنها ستبقى هامشية؛ كونها تفكر في الآخر ولا تفكر في الذات. ومثلت بالندوات العلمية التي تستحضر النظريات والأفكار الغربية، وهنا ذكّرت بأننا نعيش مفارقة، وسبب هذا أننا لا ننتج الأفكار، لكننا، في المقابل، نريد أن ننتج التقنية، التي هي في أساسها تواكب الأفكار الغربية.

واعتبرت الضيفة أن إنسان الهامش بما أنه يقلد ويتبع المركز فهو إنسان ميت؛ لأن روحه قد ماتت حسبها. وأضافت أن ثقافة هذه الذات نلمحها في زوال وفي نهاية؛ كون الحداثة تمثل زمنا يحرك نفسه باستمرار، وبالتالي فهي ضد التقاليد، ولذلك فالمجتمعات الغربية صارت تقيم العلاقة انطلاقا من العقلانية. كما قالت بوحناش إن الحداثة الجزائرية ارتبطت بالاستعمار الفرنسي، الذي اعتقد أنه أدخل الحداثة إلى المجتمع الجزائري، وهو الذي سيُخرج المجتمع الجزائري من التخلف إلى الحضارة، لكن الجزائري يرى أن الحداثة التي جاء بها المستعمر كانت بشعة؛ كون المستعمر قام بإبادة هذا المجتمع.

أما في ما يخص قدرة مجتمعات الهامش على المقاومة فاعتبرت الدكتورة بوحناش أن هذه المجتمعات لم تستطع أن تقاوم ولن تستطيع؛ كون هذه المجتمعات لا تملك الوسائل اللازمة. وبخصوص العولمة فقد اعتبرت أن آخر ما استطاعت أن تقوم به المجتمعات الغربية هو الرؤية الواحدية، التي لم تستخدم العولمة لتطوير الاقتصاد فقط، بل كذلك للسيطرة. وفي ختام اللقاء الذي شهد مناقشة ثرية، قالت الدكتورة بوحناش إن وضعنا الحالي وضع مأزوم جدا، خاصة بعد كل ما حدث ويحدث في العالم العربي. أما جامعاتنا فقالت إنها شبيهة بالابتدائي؛ كونها لم تنتج شيئا، ورأت أن الجامعة متممة لوضع الدولة فقط.