الرواية بين السرد، التاريخ، الإيديولوجيا والترجمة

ساري يقدّم توليفة تصنعها تقنيات التوظيف

ساري يقدّم توليفة تصنعها تقنيات التوظيف
الكاتب محمد ساري
  • 714
مريم. ن مريم. ن

قدّم الكاتب محمد ساري، مؤخّرا، على صفحته الإلكترونية، غلاف كتابه النقدي الجديد الذي سيصدر قريبا عن دار "خيال"، ليكون جاهزا في صالون الجزائر الدولي للكتاب، المزمع تنظيمه من 6 إلى 16 نوفمبر القادم.

جاء في مقدّمة الكتاب الذي يحمل عنوان "الرواية بين السرد، التاريخ، الإيديولوجيا والترجمة" (نماذج تطبيقية من الرواية الجزائرية والعربية)، أن عشرية الخمسينيات كانت زاخرة بالإبداعات، التي أظهرت للعالم معاناة ومقاومة الشعب الجزائري؛ للتخلّص من ظلم الاستعمار الفرنسي، هكذا يكتب مولود معمري عن الحياة الاجتماعية القاسية في منطقة القبائل؛ "الربوة المنسية"، 1952، ويكتب مالك حداد عن تجنيد الطلبة والمثقفين في ثورة التحرير التلميذ والدرس؛ "رصيف الأزهار لم يعد يجيب"، 1958. ويصدر كاتب ياسين رائعته "نجمة"، 1956، ليروي مأساة الجزائريين في مظاهرات الثامن ماي 1945 للمطالبة بالحرية، والتي تحوّلت إلى مجازر مروعة ارتكبتها مليشيات المعمّرين بمباركة ومساعدة جيش الاحتلال. وتكتب آسيا جيار "أطفال العالم الجديد"، 1962، لتروي تجنيد المرأة في ثورة التحرير، ومعاناة العائلات الجزائرية التي تعرّضت للقمع والتعذيب والتهجير. ويختمها مولود معمري برائعته "الأفيون والعصا" (1964)، ليروي معارك المجاهدين في الجبال والقرى؛ من أجل تحرير الجزائر. وقد حُوّلت الرواية إلى فيلم، نال شهرة كبيرة وسط الشعب الجزائري.

للإشارة، هناك أدبيات كثيرة حاولت التنظير لعلاقة الرواية بالتاريخ من جهة، وبالواقع من جهة أخرى.ورأى بعض النقّاد والدارسين أنه يمكن عَدُّ الرواية التاريخية ﻗﺼﺔ متخيّلة، مع طرح إشكالية العلاقة بين الرواية وبين التاريخ، وحول تقنيات التوظيف، والاستحضار، وغيرها. كما يؤكّد بعضهم أن تراكمات الإبداع العربي في مجال الرواية التاريخية بتوجّهاتها المختلفة، باتت تشكل مدوّنة مرجعية، تسمح للأجيال اللاحقة بالتناص معها في مستوياتها الفنية المختلفة؛ يكون السرد الروائي بين البعد الجمالي الفني، وبين الخطاب التاريخي؛ فمن خلاله يتحرر الكاتب من عبء الواقعة التاريخية ليؤسّس عالمًا تتشابك عبره أبعاد مختلفة؛ إيديولوجية، جمالية وتاريخية.
وتعود تجربة الكتابة عند محمد ساري إلى سنوات طويلة؛ حيث بدأ بنشر أعماله منذ السبعينات؛ الأمر الذي أكسبه تجربة وحنكة أدبية. وسمت أعماله بجماليات أدبية، أرجعها هو نفسه إلى خبرته النقدية التي كانت موجّهة خارجيا لكتابته. وشكّلت بالنسبة له، مرشدا، مكّنه من تقنيات الرواية. كما أكد أنها كانت، أحيانا، عائقا لولا حسّه الفني، الذي مكّنه من تجاوزها؛ الأمر الذي جعله يقول: "بما أنّني روائي لا أقع، فقط، في التنظير.. لم أغفل الجانب السردي للرواية، أو أيّاً من فنيات الرواية؛ من مكان، وصراع، وشخصيات. وأعتني، بشكل خاص، بالمسار الفردي للشخصيات؛ حتى لا يتحوّل السردي إلى خطاب فلسفي، أو تاريخي، أو سياسي".
وفي ضوء معرفة محمد ساري بآليات الكتابة ومرجعياتها النظرية والنقدية، كانت كتابته احترافية. كما يتميّز ساري بالتنوّع في الكتابة، والانتقال بين مختلف الفروع الأدبية. وكان ساري أكّد أن الأدب أوفر حظا من الفلسفة، وأسمى مقاما من التاريخ؛ لأنّه يروي الكلي، بينما يروي التاريخ الجزئي.