"المناظر الخلابة لمنطقة القبائل" برواق"محمد راسم"

زيارة للريف واكتشاف ليوميات القرويين

زيارة للريف واكتشاف ليوميات القرويين
  • القراءات: 498
مريم. ن مريم. ن

تطل طبيعة منطقة القبائل بكل تجلياتها ومفاتنها وحياة القرويين فيها، في معرض الفنان التشكيلي بشير بن شيخ المناظر الخلابة لمنطقة القبائل، المقام برواق محمد راسم إلى غاية 28 من الشهر الجاري، حيث يتنسم الزائر الهواء العليل والمناظر الممتدة عبر الجبال والقرى والسهول، ويستمتع بطيب العيش وبساطته، بعيدا عن التلوث والضوضاء، ومآسي العصر التي جعلت من حياة المدن تشبه إلى حد ما حياة "الروبوتات".

ما يشد الداخل للمعرض، هو الألوان المستقرة في كل اللوحات، فلا مكان للأبيض والأسود مطلقا، كيف لا ومنطقة القبائل تعج بالألوان والأنوار الربانية التي تسر الناظر والخاطر. ركز الفنان في لوحاته التي بلغت حوالي 30 لوحة، على الحقول، حيث الغلال، منها حقول القمح وتوزع الفلاحين فيها، حاملين مناجلهم، ويضعون القبعات على رؤوسهم في ثبات واستمتاع، بعضهم تغطيه أمواج سنابل القمح الذهبية، التي تزداد بريقا مع أشعة الشمس، التي لها مساحتها في اللوحة.

كما تتكرر في لوحات كثيرة، صورة الراعي الذي يرافق قطيعه في الحقول وعبر الجبال والوديان، في مشاهد غاية في الجمال، تذكر بنقاء وأصالة الريف القبائلي الحاضن للخصوصية والهوية. وساد اللوحات المعروضة أسلوب الانطباعية التصويرية، مما سمح بإبراز التفاصيل، خاصة الأشغال اليومية، سواء في الحقول والمراعي، أو داخل البيوت مع العائلات، فيما عملت الألوان الزيتية على القماش، على إعطاء بعد حي للأعمال، حيث راعى الفنان مختلف الألوان بكل تدرجاتها وأبعادها، لتحاكي الطبيعة وتعكس أيضا خصوصية البيئة القبائلية، سواء في اللباس أو في الديكور الداخلي للبيوت.

تتواصل المناظر، لتمتد للمرأة القبائلية التي هي عماد هذا الريف، تهتم بشؤون البيت وتعمل خارجه في الحقول، ناهيك عن أيامها المخصصة للغسيل في الجدول أو حلقات التقاء النسوة أمام الينابيع، لملء جرار الماء، كما يقف الفنان في لوحات أخرى، عند أشغال المرأة داخل البيت، منها طهي الطعام، خاصة الكسكسي، وهي تجلس أرضا، وقبالتها رب العائلة والأبناء، زيادة على بعض الحرف التي تمارسها، والتي تظهر في عدة لوحات، وعلى رأسها النسيج وغزل الصوف وتنظيفها ودرس القمح بالطاحونة الحجرية اليدوية، وكذلك مواسم جني الزيتون، إذ للمرأة نصيبها الأوفر من العمل.

خصص الفنان أيضا، لوحات أخرى للطبيعة الميتة، مبرزا فيها غلال هذه المنطقة، منها الزيتون والتين والتين الشوكي والعنب وغيرها من الغلال. ومن عناوين اللوحات، هناك "نساء في النافورة" و"الحصادون" و"جني الزيتون"، "على حافة المنبع"، "قطيع الماعز"، "الرعاة"، "المطر قادم"، "طبيعة ميتة"، "الناسجة" وكذا "الصيادون في الغروب" وغيرها. عرض الفنان أيضا في جوانب أخرى من المعرض، لوحات تبرز مناطق أخرى من الوطن، منها قصبة الجزائر وميناء الصيادين (ميناء الجميلة) وخليج العاصمة، وواحة بالجنوب تمتد فيها النخيل الباسقة، وغيرها من المناظر المستوحاة من الطبيعة والبيئة الجزائرية.

للتذكير، الفنان بن شيخ من مواليد منطقة القبائل سنة 1944، صقل موهبته بالتكوين، ويعرض منذ 50 عاما، أعماله التي كلها تقريبا من وحي الطبيعة التي عشقها، وفتن بجمالها، وتربى في أحضانها في سن الطفولة والصبا، وهو لا يزال يبحث ويستلهم من هذه المشاهد الطبيعية، التي لا تستطيع الريشة، مهما بلغت، أن تحاكيها أو تنقل نبض حياتها وأصالتها.