"قعدة.. حكايات ومعان" بقصر مصطفى باشا

ذاكرة شعبية تورث للأجيال

ذاكرة شعبية تورث للأجيال
  • 181
مريم. ن مريم. ن

احتضن المتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط، أول أمس، "قعدة" بعنوان "حكايات ومعان" مع الحكواتي عبد الغاني منير، صال فيها وجال في التراث الشفوي المتوارث عن الأجداد، متوقفا عند بعض المعالم في العمران وفي الكلمات القديمة وبعض العادات والتقاليد شد بها الجمهور الحاضر.

جلس الحكواتي والشاعر في وسط الدار (القصر) ليقابل الحضور من مختلف الأعمار، علما أن المتحف العمومي الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط يشهد هذه الأيام إقبالا كبيرا للزوار من مختلف مناطق الوطن ومن أبناء الجالية في الخارج.

من بين ما اختاره هذا الحكواتي قصة "العجوزة والعروسة" وهي قصة معروفة في القصبة دارت بين بنات الحضر وبنات الفحص، وتقول إن عائلة حضرية من القصبة زوجت ابنها بفتاة من الفحص وعند حضورها لبيت الزوجية أصبحت بنات الدار تبدين غمزهن ولمزهن عليها وتنتهجن معها أسلوب التنمر لكن بنت الفحص بذكائها ردت عليهن  وعلى حماتها "أنا بنت القع والبع والخلخال مربع والخاتم في الصبع والتاج فوق الراس مرصع والمشية بالطبع"، لكن "العجوزة" ردت أيضا بدورها "احنا بنات الضيق والترتيق والخير مرمي في التريق والقلب ما يضيق" وهنا أسهب الحكواتي في الحديث عن الفحص يقع خارج أبواب مدينة الجزائر (القصبة) في عهد الأتراك ولهم لهجة تسمى بالفحصية لازالت ليومنا هذا.

هذه اللهجة يتحدث بها سكان تلك المناطق التي تحيط بمدينة الجزائر، كفحص بوزريعة وبني مسوس، وفحص بئرخادم والسحاولة وفحص الشراقة ودالي إبراهيم وزواوة وقاوش،  وفحص أولاد بلحاج والسوايح وفحص درارية ووادي الرمان ...و غيرها. هذه اللهجة تختلف قليلا عن اللهجة العاصمية المعروفة والمعتادة، فهي تتميز بالرقة والليونة وبمفرداتها الخاصة والمميزة وحتى في طريقة نطقها.. كما استعرض الحكواتي قصة خداوج العمياء في التراث الشعبي، وكذا تاريخ مصطفى باشا الذي مات مقتولا وغيرها من القصص.

توقف المتحدث أيضا عند العادات الجميلة التي تعكس المجتمع الجزائري في القصبة قبل الاحتلال الفرنسي منها مثلا تقديم الماء مع القهوة للضيف وفي حال شربه للماء أولا يتأكد لأصحاب الدار أنه جائع فيقدمون له الغذاء، ومن العادات أيضا وضع وردة صفراء قرب دار المريض كي لا يتم إزعاجه، أما الوردة الحمراء فتعني أن بالبيت فتيات في سن الزواج تنتظرن الخطاب كما لا يجوز رفع الصوت أو التلفظ بما لا يليق قرب هذه الدار، ومن العادات طريقة دق الباب الخارجي للبيت، أيضا التبرك بسن ال63 لأنه سن الرسول عليه الصلاة والسلام حين موته وهو دليل على النضج والوقار وكان يسمى "الحد"، ومن المظاهر الاجتماعية حينها التكافل حيث يقضي الأغنياء ديون المتعسرين سرا كأن يسددوا قوائم طلباتهم في الحوانيت مثلا وغيرها من القيم والمثل العليا.

بعد اختتام اللقاء التقت "المساء" بالحكواتي عبد الغني منير الذي قال أنه مولع بالتراث منذ طفولته ،مضيفا "كنت وانا طفل أجمع الأمثال الشعبية ورباعيات الشيخ المجذوب وأدونها، لأغوص بعدها أكثر في تراثنا المادي واللامادي" وهكذا وجد نفسه فنانا مولعا بهذا الإرث ، فأصبح مغني الشعبي (له بطاقة فنان) يحيي الحفلات هنا وهناك، وحكواتيا تجتمع في جلساته العائلات من ذلك جلساته بمتحف الباردو التي تشهد إقبالا كبيرا.

أكد محدث "المساء" أيضا أنه ترعرع في القصبة ليغادرها فيما بعد إلى أحد أحياء العاصمة لكنه ظل مرتبطا بها، ثم التحق فيما بعد للعمل في متحف خداوج العمياء بالقصبة حيث وجد راحته وسعادته وأصبح يقدم التراث الشعبي من خلال الحكايات والألغاز وغيرها، كما أصبح شغله الشاغل هو ايصال هذا التراث ليس فقط الخاص بالقصبة بل بكل مناطق الجزائر للأجيال الصاعدة كي تتبناه بدورها وتفتخر به، وهنا استعرض بعض تجاربه منها "درس وعبرة" الموجه للناشئة ويخص الحكايات الشعبية ذات المعاني والعبر، كما صرح ل«المساء" أنه سيحيي في 4 سبتمبر الداخل بمناسبة المولد النبوي الشريف حفل ختان جماعي بقاعة حفلات بالحراش من خلال برنامج شعبي منوع.