الأستاذ محمد بن ساعو في مداخلة براس الوادي
دعوة إلى اهتمام أوسع بالتاريخ المحليّ

- 593

قدّم الأستاذ محمد بن ساعو من جامعة "سطيف2"، مؤخّرا، محاضرة موسومة بـ"التاريخ المحلي..الصعوبات والرهانات" بالمركز الثقافي "محمد البشير الابراهيمي" ببلدية أولاد ابراهم برأس الوادي (ولاية برج بوعريريج). تناول فيها التاريخ المحلي الذي قال إنّه مبحث من مباحث التاريخ، يهتم بدراسة إقليم محدّد في الزمان والمكان، ويرتبط هذا النوع أكثر بالتاريخ الاجتماعي في تتبعه للحياة اليومية للساكنة واهتمامه بالقاعدة.
وأضاف المحاضر أنّ الاهتمام بالتاريخ المحلي في الجزائر، بدأ مع الدخول الفرنسي، حيث برزت عدّة أقلام أسهمت في التأريخ لكثير من مناطق وأقاليم الجزائر. وتابع أنّه لأجل ذلك نشطت عديد الجمعيات في البحث التاريخي والأثري، رغم أنّ الكثير من الكتابات التاريخية كانت من إنتاج عسكريين فرنسيين ما يؤكّد انخراط المؤسسة العسكرية الكولونيالية في هذه الرؤية وتبنيها لها. في حين لم يجد التاريخ المحلي التهليل من الجميع، بل هناك من الباحثين من عارضه خاصة بسبب المناهج التي يطبقها والغايات التي يبتغيها. وقال أيضا "بين من ينتصر للتاريخ المحلي ومن يحاول التقليل من أهميته، يبقى مجالا من مجالات البحث في التاريخ ذات القيمة العلمية، من خلال تركيز جهود جمع الوثائق. تجاوز التعميم. كشف طبيعة العلاقات. وإبراز أدوار العناصر الفردية وفئات الظلّ". وطلب بن ساعو من المقبل على البحث في التاريخ المحلي، إدراك الصعوبات التي تصادفه، والمتعلّقة بالجانب المنهجي والمعرفي،كالشفويات، الفولكلور، وإشكالية التوظيف. وفي هذا السياق، أشار الى وجود ارتباط شديد بين التاريخ المحلي والرواية الشفهية التي تعتبر صوت البسطاء الذين لا يملكون القلم، وبالتالي فهي تمثّل قراءة ثانية ومن زاوية أخرى للتاريخ. ليطرح سؤالا "هل يمكن بناء تاريخ المجموعات الإنسانية التي تفتقر للمدوّن من خلال الرواية الشفوية والفولكلور؟".
وأضاف أنّ الصمت وعدم تقديم التفاصيل وتجنّب تقديم الحقائق التاريخية سواء التي كان فيها المعني طرفا أو شاهد عيان، مشكلة أخرى تصادف الباحث في التاريخ المحلي، حيث كثيرا ما تحجم الشخصيات الفاعلة (كالمجاهدين مثلا) عن تقديم شهاداتهم وتحفّظهم عن الإدلاء بتفاصيل معينة، لأسباب مختلفة، ولا شكّ في أنّ السرية التي أحيطت بالثورة التحريرية قد نمّت في الجزائريين ذلك الشعور بالخوف من الكلام والمواجهة وتقديم الحقائق. بالمقابل، أكّد بن ساعو اكتساء الوثائق المحلية أهمية كبيرة في كتابة الدراسات المونوغرافية، وإن كان هذا النوع من الدراسات يتيح للباحث تركيز جهوده للتنقيب عن المصادر المتنوّعة، إلاّ أنّه في نفس الوقت يجعله يشعر بصعوبة تحصيل أنواع مهمة منها، على غرار الوثائق الخاصة، حيث أنّ خزائن المخطوطات المملوكة للعائلات تبقى بعيدة عن الباحثين، إذ يصعب أولا الوصول إليها والتعرّف على محتوياتها وأهمية الوثائق التي تحوزها، وثانيا يكون من أكبر العوائق هو منح الفرصة للباحثين بالاطلاع عليها لحجج كثيرة، فتجد مالكيها من الورثة متحفّظين على إتاحتها للباحثين، في حين يكاد بعضهم لا يدرك قيمتها العلمية والتاريخية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنّ هذه الوضعية جعلت أعدادا كبيرة من المخطوطات تتعرّض للتلف بسبب الإهمال.
وتابع مجدّدا أنّ الأمر الآخر متعلّق ببعض الأقاليم والمدن والحواضر التي اندثرت، رغم حضورها التاريخي القويّ في فترة من فترات التاريخ. الأمر الذي يجعل من الصعوبة إيجاد الآثار المادية والقلمية وحتى الوجود المادي، كلّ ذلك يصعّب من عملية إعادة بناء التاريخ. وليس معنى ذلك الاستسلام والتراجع، بل يجب التسلّح بالأدوات التي تسمح باستعادة روح تاريخها. كما أنّ هناك الآثار المادية غير القلمية التي تعدّ، هي الأخرى، مصدرا مهما ورئيسا في الكتابة التاريخية، غير أنّ الكثير من المواقع الأثرية المحلية أو اللقى المتناثرة لا يتم الالتفات إليها من طرف القائمين على الشأن المحلي لاعتبارات عدّة.
كما دعا بن ساعو، الباحثين الأكاديميين الانفتاح على المهتمين بالتاريخ والتراث المحلي من غير الأكاديميين. وكذا إحياء الذاكرة المحلية من خلال تسميات المؤسّسات العمومية والمؤسّسات الخدماتية والدينية بأعلام محليين، وعن طريق تسمية المنتجات الصناعية والحرفية بتسميات على علاقة بذاكرة المنطقة (العلامات التجارية). علاوة على فتح متاحف محلية والعمل على جمع الآثار والتحف والأثرية والأدوات التقليدية من خلال تكثيف التواصل مع الأطراف التي يمكنها تأثيثه بصورة تعكس ثراء المنطقة تاريخيا وثقافيا، وبذلك يتم تفعيل دور المتحف في الحياة الثقافية.