"ريح الجنوب"..

حين يتكلّم الأدب بلغة السينما

حين يتكلّم الأدب بلغة السينما
  • 211
سميرة عوام سميرة عوام

تنفتح نوافذ الفكر وتتّسع آفاق الخيال حين تجتمع الكلمة بالصورة، وحين يلتقي النص الأدبي بعدسته البصرية، ليتحوّل إلى تجربة شعورية متكاملة. وهذا تماما ما يحدث اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر، في فضاء المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية بالتنسيق مع نادي "بونة للأدب والسينما"، من خلال لقاء ثقافي استثنائي، يجمع بين عذوبة الأدب وسحر السينما.

في قلب هذا الموعد الأدبي - الفني تحضر رواية "ريح الجنوب"، واحدة من أبرز علامات الرواية الجزائرية الحديثة للكاتب الكبير عبد الحميد بن هدوقة. هذه الرواية التي نُشرت لأوّل مرة عام 1971، لاتزال إلى اليوم مرآة صادقة لأسئلة الفرد والمجتمع، لجدلية التغيير والتقليد، ولرحلة الذات في مواجهة الرياح التي تعصف بها من كلّ اتّجاه.

وكتب بن هدوقة "ريح الجنوب" بقلم يقطر صدقا، وبعين ترصد تحوّلات المجتمع الجزائري بعد الاستقلال. لم يكن معنيا فقط بسرد الحكاية، بل بتفكيك البنى العميقة التي تتحكم في مصير الإنسان الجزائري: الدين، والعادات، والسلطة الأبوية، وطموحات الشباب الذي وجد نفسه أمام مفترق طرق حاد. بطلتها "نفيسة" ليست مجرد شخصية روائية، بل صوت أنثوي قوي وسط صمت طويل، متمردة، وحائرة، وجريئة في آنٍ معاً. تقف هذه البطلة في مواجهة مجتمعٍ يحاول قولبة المرأة داخل صور جامدة، بينما هي تبحث عن ذاتها، وعن حريتها، وعن معنى الحياة في جنوبٍ يهبّ برياحه على كل ما هو ساكن. ولأن الأعمال الكبيرة لا تبقى حبيسة الصفحات، وجد المخرج الجزائري محمد سليم رياض في "ريح الجنوب" ، مادة ملهمة لتحويل الرواية إلى فيلم سينمائي حمل العنوان نفسه، ليُعرض اليوم أيضا كجزء من برنامج اللقاء. 

هذا الفيلم يُعد من التجارب الرائدة في السينما الجزائرية؛ حيث استطاع أن يُعيد تشكيل النص الأدبي بلغة سينمائية دقيقة، محافظة على جوهر الرواية، دون أن تفقد السينما خصوصيتها كفن مستقل. وفي هذا العمل، تظهر الجزائر الريفية بكل تناقضاتها، وتبرز الشخصيات وقد اكتسبت لحما ودما على الشاشة؛ في مشاهد غنية بالرمزية، ومليئة بالتوترات الإنسانية، ومشحونة بالأسئلة التي لاتزال مطروحة حتى يومنا هذا. اللقاء ليس مجرد فعالية ثقافية عابرة، بل هو مناسبة نادرة للغوص في عمق رواية جزائرية خالدة، ولمشاهدة كيف تتحوّل اللغة إلى صورة، والفكرة إلى مشهد، والبطلة إلى وجه حيّ يتنفس على الشاشة.

وسيكون النقاش مفتوحا حول الرؤية الإبداعية للكاتب والمخرج، حول التحولات الاجتماعية والثقافية التي طرحتها الرواية والفيلم، وعن علاقة المرأة بالمجتمع، والحرية بالقدر، والجنوب بالريح التي لا تهدأ. وفي زمن تسوده السرعة والسطحية يأتي هذا الموعد ليردّنا إلى الجذور، وإلى الأدب الذي يكتب الحياة، وإلى السينما التي تُجسّدها. هي دعوة مفتوحة لكل عشاق الحرف النبيل والصورة النابضة، لكل من يسكنه السؤال، ولكل من يريد أن يرى الجزائر في مرآة فنانيها الكبار.