عيون مشوّهة ترقب العالم
حليمة لمين ترسم الألم بجرأة وصدق

- 136

شعور متضارب بين الخوف والقلق ينتابك حينما تحدّق في أعمال الفنانة التشكيلية خريجة المدرسة العليا للفنون الجميلة، حليمة لمين المعروضة حاليا في مكتبة "علامات" بسبب تلك المخلوقات المشوهة التي تسكن لوحاتها فهل ستصيبنا بأذى ياترى؟.
ما بال هذه المخلوقات الغريبة تحدق بنا بعيون كبيرة، جاحظة، معبرّة عن المأساة التي تتخبط فيها، والتي انعكست علينا نحن زوار معرض الفنانة التشكيلية حليمة لمين؟.
ها نحن نشعر بالخوف بل بالرعب أمام هذه المخلوقات المشوهة وإن كانت بعضها يحمل مسحة من الجمال، إلاّ أنّ الغرابة تطغى عليها.
هي كائنات صادقة لأنّها تعبّر عن الحياة المحيطة بنا: حياة مضطربة، وأحيانا مأساوية، كالحروب التي تنجر عنها الآلام والشعور بالضياع وحتى فقدان للحياة، كما هو الحال في اليوم، وفلسطين منذ سنوات طويلة، وهو ما أوجع قلب الفنانة حليمة لترسم هذا الوجع بدون رتوشات ولا تزييف، وتقول لـ"المساء": "فلسطين في القلب، وهذا المعرض هدية مني لهذا البلد وإن كنت أخجل أن أقدمه، لأن لا شيء يوازي ما يعانيه هذا الشعب الأبي".
وأضافت أنها رسمت أكثر من لوحة تكريما للفنان التشكيلي الفلسطيني ميسرة بارود، ابن غزة، الذي لا يزال يقاوم المحتل الصهيوني بفنه، وقد تعرفت عليه عبر الفايسبوك، لكنّها خجلت من خباره، معتبرة أن لفتتها هذه بسيطة أمام الفاجعة التي ما تزال تضرب غزة.
تعرض حليمة في هذه الفعالية المنظمة حاليا بمكتبة علامات، مجموعة من اللوحات التي أنجزتها بين عاميّ 2019 إلى 2025، تبرز فيها مخلوقات بعيون كبيرة ربما لتبصر الحياة جيّدا، أو لترصد ما يجري حولها، أو للحرص على سلامة الروح والجسد من هول ما نعيشه في هذه الحياة البشعة.
وترى حليمة أنّ الحياة قاسية، فالحروب إحدى سماتها مثلما يحدث في فلسطين منذ وقت طويل، لكنّها ترفض القول إنّها ترسم الحزن لأنّها تعيسة، فرسوماتها لا تعكس حالتها النفسية، وإنّما ما تراه العيون وتشعر به الروح ويتألّم منه الجسد، هذا لا يمنع من شعورها بالقلق وهو ما يعتبر إحساسا طبيعيا جراء ما يحدث في العالم، وفي هذا قالت "هذا هو اسلوبي الفني ولم يسبق لي أن رسمت خارج هذا السياق إلاّ مرتين، الأولى عندما أنجزت بورتريها لامرأة فقدت طفلها، والثانية برسمي لمنظر طبيعي عن البحر باعتبار أنني ابنة العاصمة".
لكن لماذا تبدو أغلب مخلوقاتها مشوّهة، وكأنّها جاءت من عالم آخر؟، أم أنّها تعاني من مرض أو خطب ما؟ تجيب حليمة ربما لأنّ الحياة كذلك، وتضيف أنّ الفن التشكيلي تغيّر منذ ظهور الصورة الفوتوغرافية التي توثق الواقع حرفيا، بينما للفن حرية التعبير بطريقته الخاصة".
وتؤكّد الفنانة أنّها ترسم بإحساس عميق وبعد تفكير وتمحيص، فهي ترفض العشوائية أو العفوية المفرطة، كلّ لوحة تمرّ بمرحلة تأمّل وتفكير قبل أن تُنجز، وتعكس شهورها بما تراه عيناها، وتعبّر عنه بالرسم، وأحيانا بالكلمة من خلال أشعار نشرتها في كتب ترافق رسوماتها.
كلمات.. رسومات..
متى تعبرّ الفنانة بالكلمات ومتى تستنطق ما يحيط بها بالرسومات؟ تجيب حليمة أنها لا تفصل بين هذا وذاك بل أنها تعبر عن المواضيع بالفكر والثقافة، سواء عبر النص أو الصورة. أما عن الألوان، فهي تختلف حسب العمل، فتارة تستخدم ألوانا متعددة، وتارة تكتفي باللونين الأبيض والأسود، وتارة أخرى تعتمد على الفحم أو الحبر.
الجسد يحتل مكانة محورية في أعمال حليمة، فهو مرآة الروح ووعاؤها، إذ أن الروح تتعذب والجسد أيضا، وهذا ما يظهر بوضوح في هذا المعرض.
في معرض حليمة لوحات مكسوة باطار وأخرى عارية تترنح في ورقتها، هل فعلت ذلك عمدا؟ ترد الفنانة أنها لم تتمكن من وضع كل لوحاتها بسبب التكلفة الباهظة، فبدأت بتأطير الأعمال الأقرب الى قلبها، في انتظار أن تكتمل العملية.
هذا يعني أن حليمة تطبق سياسة التفرقة بين أعمالها؟ نعم هي تعترف بذلك، وتقول:« نعم بعض الأعمال أقرب اليّ من غيرها". وتنتقل في حديثها إلى عالم التصوّف مشيرة إلى لوحة أضافت إليها أبياتا من شعر رابعة العدوية، تؤكّد حبّها للتصوّف لكن بشكل فردي منعزل، دون الانتماء إلى جماعة. كما لم تشأ حليمة أن تضع عناوين للوحاتها ولا أن تتحدّث عن لوحاتها بشكل فردي لأنّها تعتبرها وحدة متكاملة لا يمكن فصل أجزائها.
بالمقابل، اعتمدت حليمة أيضا في معرضها هذا على الفن التركيبي مثل رسوماتها التي أرفقتها بقطع من السيراميك من صنع الأستاذ رفيق كوادي مستندا الى رسوماتها المنشورة في كتبها.
وعن أعمال حليمة، كتبت عدة أقلام من بينها قلم الأديب رشيد بوجدرة، جاء في بعضها "شخصياتها نحيلة، بعيونها الضخمة المنتفخة، وأياديها كأغصان عنب ملتفة، وأجسادها بلا جذوع. تصرفات هذه الشابة المتهورة تحكي الكثير عن الحزن والانكسار واليأس" وأضاف "تنفجر اللوحات وتُسقط على وجوهنا كحطام وشظايا ونفايات وأجزاء من أشياء ومن كائنات حية.
شخصياتها المنبطحة خائفة وتفرض علينا خوفها. خوفٌ مُريع. يسكن المعدة، يتلون بالأصفر والأزرق والأحمر والأخضر، كأنها بقع تُضيء وجوهنا وتُعمي أعيننا. لا تحمل أي لوحة عنوانا، وهذا يعكس حيرة حليمة ليس فقط أمامنا وأمام العالم، بل حتى أمام لوحاتها التي لا تعرفها بعد لأن موهبتها الخام تخرج منها وتهرب ،هذا ما يُسمى بالأصالة".