المخرج مصطفى عبد الرحمن يروي جرائم فرنسا

حث على توريث الذاكرة للأجيال

حث على توريث الذاكرة للأجيال
المخرج مصطفى عبد الرحمن
  • القراءات: 1128
 مريم. ن مريم. ن

دعا المخرج والسيناريست المعروف مصطفى عبد الرحمن، مؤخرا، إلى ضرورة إقحام الشباب الجزائري في مسعى الحفاظ على الذاكرة الوطنية، خاصة في جانبها الأكاديمي، مؤكدا على أن صون تاريخ الجزائر بيد الجيل الصاعد، مما يضمن بقاء السجل مفتوحا ومنقوشا بفظائع الجرائم الاستعمارية طيلة قرن وربع القرن، لم يذق فيها أي شعب على وجه الأرض ما ذاقه الجزائريون، بالتالي سيظل هذا التاريخ الأسود حجة في وجه المستعمر من جهة، وحصنا منيعا للذاكرة ولوحدة الشعب الجزائري الذي ذاق من نفس الكأس، من جهة أخرى.

اعتبر المخرج عبد الرحمن مصطفى في إحدى لقاءاته الأخيرة بالعاصمة، رفقة صديقه المؤرخ الكبير عمار بلخوجة، أن الذاكرة الوطنية لابد لها من أن تحرك الوعي العام الجزائري، خاصة الشباب الذي ربما قد لا يدرك بعضه مدى أهمية هذا التاريخ في مثل هذه الظروف التي نعيشها، وتستهدف ماضينا المجيد لتغطية جرائم لا تسقط بالتقادم.

أشار الأستاذ عبد الرحمن، إلى أن بعض التاريخ الاستعماري الفرنسي الأسود الذي قام بتسجيله في أفلامه الوثائقية، ما هو إلا نقطة في محيط، يتطلب المزيد من البحث والتوثيق، لذلك حث الأساتذة والمؤرخين على المزيد من الجهد، منوها في نفس الوقت، بأهمية الصورة في حفظ هذا التاريخ وتوصيله للأجيال، حيث لها وقعها وتأثيرها.

كما أسهب المتحدث في عرض جرائم المستعمر الفرنسي، من خلال التعذيب الوحشي والتهجير والحرق والمحتشدات التي يصفها المستعمر وبعض المتخاذلين بـ«التجمعات”، بينما هي في الحقيقة أماكن فظيعة وصل عددها إلى 1800 محتشد على التراب الوطني، وكانت بها مراكز تعذيب، وهي تمثل أكبر نسبة للمحتشدات في العالم، ضمت 3 ملايين جزائري، وتجاوزت ـ حسبه - جرائم النازية، وقدم المتحدث أيضا بالمناسبة، كتابه الجميل المليء بالصور، وهو ”دروب الذاكرة”، ذو الـ180 صفحة، والمتضمن الكثير من جرائم المستعمر البشعة.

للإشارة، كان مصطفى عبد الرحمان يؤكد في كل مرة، أن هناك فراغا كبيرا في كتابة تاريخ الجزائر، وعن كتابه ”دروب الذاكرة”، أشار إلى أنه ثمرة بحث دام 30 سنة، يتضمن عددا كبيرا من الصور المأخوذة بمراكز التعذيب عبر عدد من مناطق الجزائر (سيدي علي، سفيزف، بطيوة، معتقل قصر الطير، معتقل وادي الخير، مغارة أولاد رياح التي خنق فيها 1200 جزائري...)، وصور لمن عايشوا تلك الأحداث المؤلمة. كما يحمل هذا الكتاب صورا لمنطقة الأغواط التي استعمل فيها الاستعمار الفرنسي مادة ”الكلوروفورم”، التي قتلت في يوم واحد 2800 جزائري.

ثم تحدث عن فيلمه الوثائقي ”محرقة الظهرة”، التي ستخلد ذكراها الـ175 قريبا، حيث كشف فيه فظاعة الجرائم التي ارتكبت في تلك المنطقة العزيزة، كغيرها من مناطق الجزائر، حيث جرت المجازر لتحصد آلاف الأرواح، وعلى رأسها العزل من الشيوخ والنساء والأطفال. جريمة ”مغارة الفراشيح” بمنطقة النقمارية، التي تبعد بأزيد من 90 كلم عن مستغانم، جرت سنة 1845 وبدأت بتطويق المكان ومحاصرة المغارة، قبل أن يأمر الكولونيل بيليسي الجنود بجمع الحطب والتبن من الغابات والمزارع المجاورة، استعدادا لحرق المكان بمن فيه.

تم إضرام النيران التي تواصلت لمدة تزيد عن العشرين ساعة في جميع مداخل المغارة في اليوم الموالي، وإلى غاية 20 جوان 1845، لتكون هذه المجزرة شاهدة على أبشع الجرائم المرتكبة في حق المدنيين العزل، بعد أن راح ضحيتها احتراقا واختناقا، بين 1200 و1800 شهيد، وأبرز المتحدث نفسه، أن معظم الشهداء كانوا من الأطفال والنساء والشيوخ، وهناك أيضا المزيد من الإبادات التي أصبحت وصمة عار في تاريخ فرنسا، تحاول إخفاءها دون جدوى.

من الأفلام الوثائقية لهذا المخرج، نجد أيضا ”براميل الموت”، وهو صورة مصغرة للمجازر التي ارتكبت بوحشية، وأصبحت علامة فرنسية، يظهر فيها التقتيل داخل آبار يتجاوز عمقها 10 أمتار، تستعمل لتخمير العنب، استغلها المستعمر الفرنسي في عملية الحجز والقتل، ولازالت شاهدة إلى حد الآن على بشاعة فرنسا الاستعمارية، وقيد الفيلم الوثائقي بالأدلة المادية وبعض شهادات الناجين من الموت المحقق بقدرة إلهية عجيبة. فبراميل الموت ـ حسب المخرج ـ موجودة بمختلف المناطق المختصة في إنتاج الخمور، وفي زراعة الكروم.

أما المؤرخ الكبير عمار بلخوجة، فقد دعا إلى صون الذاكرة بالنبش فيها وتسجيلها، والربط بين المجرمين الأوائل من المحتلين الفرنسيين في القرن الـ19، والمجرمين الذين عذبوا وقتلوا في الحرب التحريرية المجيدة، قائلا؛ إن نسل هؤلاء لهؤلاء منهم المجرم ”بيليسي”، علما أن الكثير ممن قتل الشعب الجزائري كرمته فرنسا وسجلت اسمه.

للتذكير، لمصطفى عبد الرحمن، ابن مدينة مستغانم، أعمال سينمائية وثائقية رائدة، كما قدم أعمالا عن المسرحي ولد عبد الرحمن كاكي، وكذا عن ”سد بني بهدل”، و«دونيس مارتينيز”، وله جوائز عديدة في التصوير، على غرار جائزة ”اليونيسكو” للتصوير في 1993، والجائزة الكبرى للتصوير بالجزائر العاصمة عام 1997، وجائزة السيناريو للأفلام القصيرة بالعاصمة عام 2011، بالإضافة إلى جوائز أخرى.