المخرج التونسي محمود بن حمود لـ"المساء":

حاولت بـ"فتوى" التصدي للغزو الذي يهدد تونس في أعماقها وجذورها

حاولت بـ"فتوى" التصدي للغزو الذي يهدد تونس في أعماقها وجذورها
  • القراءات: 536
❊ حاورته: دليلة مالك  ❊ حاورته: دليلة مالك

يخبرنا المخرج التونسي محمود بن محمود في هذا الحديث، عن فيلمه الروائي الأخير "فتوى" (102 دقيقة، إنتاج 208)، المشارك ضمن مجريات الدورة العاشرة لمهرجان الجزائر الدولي للسينما، أيام الفيلم الملتزم، المستمر إلى 16 نوفمبر الجاري بديوان رياض الفتح في الجزائر العاصمة. الحديث كان عن واقع تونس السياسي والاجتماعي والتحديات التي ينتظرها بلده، في ظل ظهور تيارات فكرية وفلسفية جديدة، وتبدل أطراف الصراع الإيديولوجي، كما تكلم عن أهمية حضوره للجزائر.

حدثنا عن رحلة إنتاج "فتوى"؟

❊❊ الفيلم أخذته من الواقع البلجيكي، لكن للأسف، لم أتمكن من غلق ميزانية التمويل، رغم أنه كان دعما بلجيكيا مهما ومن لوكسمبورغ، وأيضا لم يكن هناك طرف عربي في النسخة الأولى، كنت معولا على إنتاج مشترك مع فرنسا، لكن لم يحدث، الأمر الذي جعلني أتركه على جنب، وأخرجت فيلم "الأستاذ"، وثائقي "ألحان الغربة"، وبعد الثورة في تونس أصبح ممكنا التصوير بها لسببين اثنين؛ أولا حرية التعبير التي ظهرت بعد الثورة، وهذا لا يعني أنني لم أستطع إخراجه في فترة الاستبداد، لكن ليس بالطلاقة والحرية التي كنت أحتاج إليها. ثانيا ظهور إيديولوجيات جديدة في المشهد السياسي التونسي، الإسلام السياسي، بما في ذلك جناحه المتطرف والجناح العلماني، الإثنين كانا في وقت الاستبداد في المنافي أو السجون أو في سرية.

كأنك أعطيت الكلمة الأخيرة لصوت الإرهاب في نهاية الفيلم، لماذا؟

❊❊ أولا، يجب أن نضع القصة في محيطها التاريخي، منذ سنة 2013، كان التونسيون ينتظرهم الأسوأ، الاغتيالات السياسية بمثابة شرارة انطلاق العمليات الإرهابية وتفشي الرعب في المجتمع، لذلك كان الفيلم وقتها متشائما، لكن من جهة أخرى، هناك مشكلة عن المسلمين، خاصة في عصرنا هذا، تتعلق بمسألة التكفير، وهذه ليس لها حل. في الفيلم، الإنسان المسلم واضح أنه مسلم، رغم أنه يشرب الخمر، له علاقة مع امرأة خارج الزواج، أو يلعب القمار، لكنه مسلم، غير أن السلفيين الذين يعتبرون أنفسهم الأقرب إلى الله من الجميع، يحكمون عليه بإهدار دمه، فالأمر بالنسبة لهم حلال. الفتوى التي صدرت في شأنه أباحت إسالة دمه، باعتباره شوه دين الإسلام وخانه، الإنسان لا يستطع تطوير الدين لأنه مقدس، لكن هذه الممارسات تذكرنا بما وقع في الغرب في القرنين 11 و12.

تقريبا هذا هو البعد الرمزي للفيلم، هو استعمال السكين لاغتيال البطل، تعرفون عبارة "سيف أموكليس" في معناها الحقيقي المجازي، هناك سيف أموكليس على رقبة أي مسلم، إذ يمكن أن توجه له تهمة الزندقة أو الردة، وهذا ما يقع في نهاية الفيلم.

يقول المتتبعون إن فيلم "فتوى" يشبه من حيث الفكرة أفلاما جزائرية كثيرة، كـ"المنارة" و"رشيدة"، هل هذا يعكس تشابه الأوضاع السياسية التي حدثت في تونس، مع الوقائع التي جرت في الجزائر في العشرية السوداء؟

❊❊ الوضع مغاير نسبيا، جاءت في فترة دقيقة وحرجة جدا، صحيح بدأت في 2012، ولم يسل الدم، لكن كان هناك تهديدات وهجومات وانزلاق وحرق وتخريب لـ40 ضريحا صوفيا، ثم تلتها الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية دامت إلى غاية عام 2015، ودمرت الاقتصاد في تونس وهربت السياح منها، وخلقت جوا من الرعب وخاف الناس على هويتهم ونمط حياتهم. الفكر الوهابي كان يستهدف نمط الحياة في تونس، والأمر لا يتعلق بتصفية حسابات سياسية، وهو ما جعل التونسيين يتوجسون من هذه الثورة الأنثروبولوجية.

نحن شعب يحمل 3 آلاف سنة من الحضارة، ومتشبع بتداول الحضارات، وتونس تتمتع بنمط عيش متوسطي، فالمناخ والجغرافيا لهما انعكاس على طريقة عيشنا، وعلى طريقة تعاملنا مع الدين. ممارسة الدين في تونس جاء بتراكمات فقهية وفتاوى على مر القرون، لاسيما القرن 19، لهذا فالإسلام الوهابي المتطرف لم يسع إلى تغيير النظام السياسي بقدر سعيه إلى تغيير نمط حياة عمق المجتمع، لهذا أنجزت الفيلم في حالة طوارئ تقريبا، تجلى لي شعور برغبة شديدة وملحة بأن أنجز هذا الفيلم للتصدي بطريقة السينما والفن، للغزو الذي يهدد تونس في أعماقها وجذورها، خاصة بعد ظهور تيارات فكرية وفلسفية جديدة، منها التيار الإسلام السياسي والتيار العلماني.

الفيلم يتبنى مكانة المرأة التونسية في المشهد السياسي والاجتماعي، نريد منك إضاءة بالخصوص؟

❊❊ الفيلم قائم أيضا على خلافات جديدة في المشهد التونسي، بعد الثورة، فالمكتوم أصبح مكشوفا، ركزت على شخصية تونسي مسلم معتدل حتى وإن كان يعيش في فرنسا، لكن الطرف العلماني جسدته امرأة وهي زوجته السابقة، هي عضو في مجلس الشعب، التي تمثل الأصوات التي كانت مكبوتة قبل الثورة، وهذا ليس من باب العجب أن أختار امرأة تمثل تلك الفكرة وذلك الالتزام، ومن موقعها كانت تحارب الإسلام السياسي، والدليل على ذلك، إصدار فتوى تحل قتلها، ثم تحولت هذه الفتوى نحو زوجها السابق مع تطور أحداث الفيلم، لأنه وكما تعرفون، البلدان الإسلامية المستهدفة من قبل الإسلام السياسي والإسلام الوهابي عندها صعوبات أكبر مع المسلمين العلمانيين أو الملحدين، لأن المسلم يملك موروثا خاصا وقراءة خاصة ورثها عن أجداده، ومن الصعب جدا أن تغير رؤيته للإسلام، لأن ممارسته له تقترن بثقافة وحضارة ونمط عيش، لذلك تحول الصراع بين طرف ظلامي وآخر تنويري، إلى صراع بين طرف ظلامي وطرف مسلم معتدل.   

هل من كلمة بمناسبة مشاركتك في المهرجان الدولي للسينما في الجزائر؟        

❊❊ أنا متحمس جدا لعرض فيلمي في مهرجان الجزائر السينمائي الدولي، عادة، لا أقضي الكثير من الوقت في القدوم، وعادة ما تتم برمجة أفلامي هنا، في بداية خرجاتها التجارية أو المهرجانات. أعود إلى الجزائر كما لو أننا ذاهبون إلى البيت، وأنا أقوم بذلك بكثير من المشاعر.