الذكاء الاصطناعي بين الممارسة الإعلامية والبحث الأكاديمي
جامعة البليدة تناقش إشكاليات التوظيف الأخلاقي والتقني

- 86

لايزال الذكاء الاصطناعي يشكّل محور اهتمام الباحثين والأساتذة في مختلف المجالات، بعدما شاع استعماله في السنوات الأخيرة، وأصبح ضرورة حتمية رغم التحذيرات المتكرّرة من سوء استخدامه. هذا الواقع دفع المهتمين بالشأن الإعلامي بجامعة البليدة 2 "علي لونيسي" بالعفرون، إلى تنظيم ملتقى وطني، ناقش إشكالية الذكاء الاصطناعي وعلوم الإعلام والاتصال، وانعكاساته على البحث، والممارسات الإعلامية.
في كلمته الافتتاحية، طرح رئيس الملتقى الأستاذ محمد الأمين لعليجي، إشكالية محورية تتعلّق بمدى استعمال الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام والاتصال، مؤكّداً أنّ الهدف من تنظيم هذا اللقاء العلمي، هو مناقشة العلاقة بين توظيف الذكاء الاصطناعي وعلوم الإعلام والاتصال كتخصّص أكاديمي، إضافة إلى محاولة فهم كيفية انعكاس هذا التوظيف على الممارسة الصحفية، التي تشهد تطوّراً متسارعاً في إنتاج المحتوى، وتقديم المعلومة.
وأوضح المتحدّث أنّ الغاية من الملتقى تكمن في فهم أدوات الذكاء الاصطناعي، وكيفية توظيفها بعدما ظهرت الحاجة الملحّة لاستخدامها في الممارسات الإعلامية؛ حتى لا يظلّ الإعلامي خارج المشهد الاتصالي، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي ما هو إلا امتداد وتطوّر تقني لما كان يُعرف سابقاً بالويب "2" ؛ إذ إنّ التطور الذي أتاحه هو الذي أنجب ما يسمى اليوم بـ«الذكاء الاصطناعي التوليدي" ؛ أي الذي يُنتج المحتوى.
وأضاف الأستاذ لعليجي أنّ واقع استعمال الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي الجزائري، مايزال غامضاً بسبب غياب المعلومات الدقيقة، وعدم وجود دراسات كافية توضح مدى توظيف هذه التكنولوجيا. ولهذا، كما قال، جاء الملتقى للكشف عن مدى استخدام الإعلاميين الجزائريين الذكاء الاصطناعي من خلال بعض الدراسات التي قام بها مختصون وأساتذة في الميدان. وأكّد أنّ من الضروري تكوين صورة واضحة حول مستوى مواكبة وسائل الإعلام الوطنية، هذا التطوّر، مشدّداً على أهمية فهم أدوات الذكاء الاصطناعي، ومتابعة تطوّراتها، واستخدامها أخلاقياً؛ لأنّ التوظيف غير الواعي لها يثير العديد من الإشكالات الأخلاقية والمهنية.
كما دعا المتدخّل إلى دراسة كيفية استخدام المواطن العادي هذه التقنيات، مذكّراً بأنّه سبق أن عشنا مرحلة "المحتويات المولّدة من المستخدمين" التي كان لها جانب إيجابي في تشجيع الفرد على التفاعل، وتحمّل مسؤولية المحتوى الذي ينتجه، لكنّها تحمل أيضاً شقاً سلبياً حين تُستغل من بعض المؤسّسات؛ لتضليل الرأي العام، أو لجذب المشاهدات، أو لنشر الضبابية. وقال في هذا السياق، إنّ الكثير من القضايا في الجزائر أصبح من الصعب تكوين رأي واضح حولها؛ بسبب التلاعب بالمحتويات الرقمية، وتوظيف الخوارزميات؛ للتشويش على المتلقي.
أما بخصوص مدى استخدام طلبة علوم الإعلام والاتصال الذكاء الاصطناعي، فأوضح الأستاذ لعليجي أنّ هناك نوعاً من التخوّف من الطلبة والأساتذة على حدّ سواء؛ بسبب الصورة النمطية التي تربط بين استعمال هذه الأدوات وغياب الأمانة العلمية؛ لذلك، كما أضاف، ينبغي، أولاً، فهم أدوات الذكاء الاصطناعي، وحدود استخدامها، ثم الانتقال إلى توظيفها أكاديمياً وفق الضوابط المسموح بها.
من جهته، أوضح رئيس قسم علوم الإعلام والاتصال الأستاذ مهدي تواتي، أنّ الهدف من الملتقى هو تسليط الضوء على استخدامات الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي، مؤكّداً أنّه يُعدّ مكملًا للذكاء البشري وليس بديلاً عنه؛ لأنّه في النهاية ثمرة جهد الإنسان. وقال إنّ الحذر مطلوب عند التعامل مع هذه التقنيات؛ "فـكلّما كان توظيفها في مجالات إيجابية، قلّ التخوّف منها"، مشيراً إلىّ أنّ الذكاء الاصطناعي رغم ما يقدّمه من مزايا، لا يمكنه أن يحلّ محل العقل البشري؛ لأنّه يفتقر إلى اللمسة الإنسانية الخاصة.
وأشار الأستاذ تواتي إلى أنّ البعض يرى في الذكاء الاصطناعي تهديداً لبعض الوظائف الإعلامية؛ مثل المحرّر أو المذيع، إلاّ أنّ الواقع يُظهر أنه مايزال يرتكب أخطاء لغوية ومضمونية مثل "الروبوت المذيع" ؛ ما يجعله بحاجة إلى مزيد من التطوير. وختم بالقول: "الذكاء الاصطناعي منافس قويّ لكنّه لا يمكن أن يعوّض الجهود البشرية. ونحن بحاجة لأن نتحكم فيه، لا أن نسمح له بالتحكّم فينا".