مستغانمي، الفارسية وحمودة يلتقون بجنيف
ثلاثي يعزف على "وتر الحب"

- 826

"لطالما تمنى الكتاب لو استطاعوا الرسم والعزف بالكلمات، ويقال؛ الرسّامون موسيقيون صامتون، لأنّهم يهدوننا مع كل لوحة مقطوعة موسيقية صامتة نحن من نجعلها تنطق، وإنني سعيدة بهذه السمفونية المشتركة التي عزفها اثنان من المبدعين الاستثنائيين على إيقاع كلماتي"، بهذه الكلمات وصفت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، معرض "وتر الحب" الذي جمعها بجنيف مع الفنانة التشكيلية العمانية عالية الفارسية والخطاط الجزائري السويسري عبد الرزاق حمودة، فكان أن جسّد الثلاثي فكرة إبداعية استثنائية.
فكرة "وتر الحب" جاءت من قبل الفنانة عالية الفارسية انطلاقاً من متابعتها الدؤوبة منذ عام 2004 لأعمال الكاتبة والروائية أحلام مستغانمي، فعرضت عليها الفكرة وما كان على صاحبة "ذاكرة الجسد" إلا أن توافق من باب تماشي أساليبهم الأدبية والفنية، فتجسّد المعرض بعشرة أعمال فنية استوحتها عالية الفارسية من أعمال مستغانمي. وفي هذا السياق، ذكرت عالية الفارسية لموقع "إيلاف" عن سرّ اختيار اسم المعرض، "أنّ هناك عدّة أسباب، منها تجسيد لوحاتها لهذا العنوان، وقوة العلاقة بين الدلالات الأدبية للنصوص والمعاني التي يحملها الفن التشكيلي، بل لا فن بغير دلالة ذهنية مشكلة تشكيلا حسيا وتعبّر عن فكر ووجدان وتجارب عميقة من الحياة الإنسانية، والسبب الرئيسي لنجاح المعرض المبهر هو تضافر جهود الجميع في إبراز مبادرة مميزة وبمناسبة غالية على الجميع".
تعتبر مستغانمي من أبرز الأقلام النسوية في البلدان العربية، ومن أعمالها؛ "ذاكرة الجسد" (1993) التي حازت "جائزة نجيب محفوظ" في عام 1998 و«فوضى الحواس" (1997) و«عابر سرير" (2003) و«الأسود يليق بك" (2012)، أما الخطّاط العالمي عبد الرزاق حمودة، فيعكس فلسفة وفكرة تميّز بها من خلال الكثير من الأعمال التي يقدّمها بالخط العربي الحروفي، من خلال نمط كلاسيكي قدّمه خلال الكثير من المعارض الشخصية والجماعية، مستخدما أدواته وخاماته البسيطة "الإسفنج، والورق، والقصب"، ليمزج فكرة وفلسفة الكلمة النابعة من الإحساس المستخدم في غالبية الأعمال، من أشعار عدد من شعراء الوطن العربي المعروفين، مثل نزار قباني، أبو القاسم الشابي، أحمد فؤاد نجم وجبران خليل جبران، حيث يقول؛ إنّ النقطة لديه مع طول الزمن رفيقة طريقه الفني والناطقة بلسانه، بالنقطة يساند قضية، ويندد بتطرف، ويحاور الرأي الآخر، الخط لديه شاهد عليه.
ويصف حمودة أعماله بأنها انفتاح على المعاصرة لا يتعارض أبدا مع رسوخه في أصالة مشحونة بثقافته العربية والإسلامية، مضيفا أنهّ يفضّل التعامل مع النقطة قبل التعامل مع الخط وإعادة اعتبارها والتركيز على أهميتها في لوحاته الخطية، ويقول حمودة؛ "للنقطة 360 اتجاها ممكنا، وبعدد هذه الاتجاهات تتنوع الأفكار والحركات والخيارات الفنية"، مؤكّدا أنّه يتعامل مع الخط العربي بنزاهة لا تشوبها غمامة ولا تحصرها رقابة، حيث يريد للإنسان أن يكون من خلال أعماله في صلب مفهوم الهوية وليس تائها على سطحها.
للإشارة، بدأت الفنانة عالية الفارسية مسيرتها الفنية في أواسط تسعينيات القرن الماضي، وحلقت في عالم الشهرة مبكرا، حيث تُعدّ اليوم من أكثر الفنانات العمانيات مشاركة في المعارض والمناسبات الدولية، جابت أعمالها أصقاع العالم ووصلت إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية، فضلا عن العديد من الدول الأوروبية، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا والنمسا وسويسرا وبلجيكا والسويد وألمانيا، وفي الشرق الأوسط زارت أعمال عالية معظم دول المنطقة، حيث لقيت استقبالا حافلا من عشّاق الفن التشكيلي، وتتميّز معارض الفارسية بأفكارها الخارجة عن السائد النمطي ودمجها المحكم بين وسائل التعبير الإنساني المختلفة، وتمّ تكريم عالية الفارسية بالعديد من الجوائز والدروع والإشادات خلال مسيرتها الفنية التي تجاوزت اليوم العقدين من الزمن، قضتها في رواية الحكاية العمانية للعالم أجمع بريشة هادئة تملك وما تزال الكثير لترويه.
للتذكير، فازت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، مؤخرا، بجائزة المرأة العربية المتميزة لعام 2015 (الدورة السابعة)، في حقل الإبداع الأدبي، إلى جانب عدد من النساء المتميزات في مجالاتهن ومن مختلف البلدان العربية، وقد فاز بالجائزة أيضا العديد من الوجوه والشخصيات النسوية العربية، على غرار عالمة الفضاء المغربية مريم شديد والعداءة التونسية حبيبة الغريبي والفنانة اللبنانية ماجدة الرومي، بالإضافة إلى الممثلة المصرية يسرا لمساهمتها في مجال السينما والفن.