المتحف الوطني للهجرة في باريس

توثيق وعرفان لأجيال المهاجرين

توثيق وعرفان لأجيال المهاجرين
  • 742
ق. ث/الوكالات ق. ث/الوكالات

يقدم المتحف الوطني لتاريخ الهجرة في باريس، لزواره، رحلة مقسمة إلى 11 نقطة عبور رئيسية من سنة 1685 حتى يومنا هذا، للتعريف بتاريخ الهجرة والمهاجرين في فرنسا؛ حيث يتم عرض كثير من القطع والوثائق والصور وأوراق هوية وعقود العمل، تحكي قصص الترحيل، والمأوى، والمنفى، والجنسية.

بعد مرور 3 سنوات على الترميم بميزانية تقارب 2.5 مليون يورو، افتتح المتحف أبوابه في جوان الماضي، ليكسر الأفكار النمطية، والجدل المستمر والدائم حول هذا الملف الشائك رغم كل العقبات والانتقادات.

وفي تسلسل زمني يربط الماضي بالحاضر، ينتقل الزائر بين صور المخيمات تحت الطرق الرئيسية في العاصمة الفرنسية، جنبا إلى جنب صور الأوكرانيين، الذين تم استقبالهم بأذرع مفتوحة، فضلا عن بيانات ديمغرافية من دراسات حديثة، تعبّر عن تساؤلات وفراغات تنتظر ملأها في يوم ما.

وكانت فرنسا أرض الهجرة والنزوح منذ نهاية القرن 17؛ حيث استقر الأجانب القادمون من الدول المجاورة لأسباب سياسية أو دينية واقتصادية بشكل أساسي. وتزامن ذلك مع ازدهار تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي؛ إذ بِيع 1.4 مليون أسير إفريقي، ونُقلوا إلى المستعمرات الفرنسية بين عامي 1642 و1848؛ حيث كانت المزارع تعيش على استعباد الأسرى الأفارقة، الذين نجوا من الهجرة القسرية في الممتلكات الفرنسية لجزر الهند الغربية. وفي عام 1789، أسست الثورة الفرنسية "المواطنة السياسية"، للاعتراف بالحقوق المدنية، وليتمتع الأجانب بحرية التعبير والتجمع، لكنهم ظلوا مستبعَدين من حق التصويت رغم منحهم تسهيلات للحصول على الجنسية، وممارسة الوظائف العامة.

ويرفع المتحف الستارة عن أجزاء غير معروفة في تاريخ الهجرة، بما في ذلك عام 1889، الذي أصبح فيه قانون العمل المزدوج إلزاميا، وشهد وصول الأجانب إلى فرنسا للعمل، ما أدى إلى ولادة "أزمة كراهية الأجانب ومعاداة السامية". وبعدها بقليل، أتت الحرب العالمية الأولى لتقلب أحوال المهاجرين، وتجبرهم على تحمّل أوضاع صعبة، بما في ذلك التحكم في تحركاتهم، واستعادة جوازات سفرهم مع التأشيرات، حتى إن مواطني "القوى المعادية" أُجبِروا على الاختيار بين مغادرة البلاد على الفور، أو الاعتقال.

وأدت كل هذه الأحداث إلى تسريع ظهور ما يسمى بـ«تصريح الإقامة" أو بطاقة الهوية الخاصة بالأجانب، التي تسمح ببقائهم في البلاد، والعمل فيه وفق قانون وسياسات الهجرة الفرنسية. وبحلول عام 1931، كان يعيش في فرنسا 2.7 مليون أجنبي، أو ما يعادل 7% من السكان.

وأكدت المديرة العامة لقصر "بورت وري"، أن الهجرة العربية، آنذاك، كانت مهمة جدا لفرنسا، خاصة خلال الحربين العالميتين؛ إذ تمكنت البلاد من تحرير كورسيكا وبروفانس بفضل دور الجنود القادمين من شمال إفريقيا. وفي فترة ما بعد الحرب مباشرة وبينما انخفض عدد الأجانب في فرنسا بشكل كبير (بسبب العائدين إلى بلادهم والتجنيس)، بدأت دورة هجرة جديدة بين عامي 1947 و1975، تَضاعف خلالها عدد المهاجرين من 1.7 مليون إلى 3.4 ملايين.

وساهم المهاجرون في بناء فرنسا مرات عديدة، خاصة بعد انتهاء الحرب، وكانوا في الخطوط الأمامية في وقت الأزمات؛ حيث استمروا في العمل، وغالبا في وظائف صعبة. وقد شكّل استقلال الجزائر في الخامس جويلية 1962، حركة الهجرة بمفهومها الأوسع؛ حيث أعيد 800 ألف فرنسي وأوروبي من الجزائر للاستقرار في فرنسا، وأُطلق عليهم آنذاك اسم "العائدون"؛ في أكبر نزوح جماعي عرفته البلاد على الإطلاق.

وعلى إحدى جدران المتحف، كُتبت مقولة للمناضل الجزائري مصالي الحاج، الذي عارض ضم بلاده إلى فرنسا؛ "هذه الأرض المباركة لنا وليست للبيع، ولا للشراء، ولا للرهن.. ورثتها هناك، وسيراقبها نجم شمال إإفريقيا".

وفي المقابل، شهدت السبعينيات زيادة في الهجمات العنصرية والجرائم في فرنسا. ففي أعقاب الأزمة التي سببتها الصدمة النفطية عام 1973، كانت الحكومة الفرنسية تعتزم السيطرة على تدفقات الهجرة، وقررت تعليق هجرة العمالة.

وعندما كان فاليري جيسكار ديستان رئيسا للجمهورية، أصبحت سياسات الهجرة أكثر صرامة، وارتفعت عمليات الطرد، مع إنشاء نظام احتجاز إداري، والرغبة في استبدال المهاجرين بالعمالة الفرنسية. ونتيجة ذلك تحركت النقابات العمالية واليسار، وبعض الأحزاب اليمينية ضد سياسة الإعادة القسرية.

وفي أعقاب ماي 1968 والتعبئة ضد الاستعمار، تشكلت حركة للدفاع عن حقوق العمال المهاجرين، للمطالبة بعدة أمور، بما في ذلك إدانة الجرائم العنصرية، والحصول على سكن لائق، ووضع قانوني مستقر، وعدالة اجتماعية في المصانع، فضلا عن تمثيل المهاجرين في النقابات.

وفي إحدى محطات المتحف الوطني لتاريخ الهجرة الباريسي، خُصصت قاعة للفنانين العرب والأجانب، تضم مقطوعات موسيقية اشتهروا فيها؛ مثل وردة الجزائرية، وأم كلثوم، وفرقة ناس الغيوان. وفي سياق متصل، تحولت مشاكل الضواحي إلى موضوع حقيقي للنقاش السياسي، ورمز لصعوبات السياسات الحضرية والاندماج مع تزايد عدد عائلات الطبقة الوسطى. أما في ما يتعلق بحق الإقامة وحق اللجوء للأجانب، فقد أصبح أكثر صرامة منذ بداية الثمانينيات، إذ استمرت الدولة في تطبيق عدد من القرارات؛ مثل استئناف عمليات الطرد، وتصفية حالات الدخول، بينما يخضع قانون الجنسية لتسييس مكثف.