"السيرة الذاتية وآفاق الإبداع الروائي"بسكيكدة
تشجيع الباحثين على إثراء الموضوع دراسة وتأليفاً

- 327

أوصى المشاركون في أشغال الملتقى حول "الرواية، السيرة الذاتية وآفاق الإبداع الروائي" الذي احتضنته قاعة المحاضرات الكبرى "عبد الحميد مهري" بجامعة "20 أوت 1955"، أوّل أمس الأحد، بنشر أعمال الملتقى في مجلة "الخليل في علوم اللسان"، مشجّعة جميع الباحثين والأساتذة على المضيّ قدما في إثراء هذا الموضوع دراسة وتأليفا؛ لما له من أهمية معرفية وثقافية وفكرية، مع المطالبة بفتح دكتوراه في الطور الثالث في هذا التخصّص.
كما دعا المشاركون إلى ترسيم الملتقى سنويا، على أن يخصَّص موضوع الطبعة القادمة لدراسة حضور النصّ السيري الذاتي في الأجناس الأدبية المختلفة، وكذا توأمة موضوع الملتقى مع الهيئات الثقافية بالولاية، في إطار انفتاح الجامعة على المحيط، منوّهة في السياق، بالعمل الجاد، والتحضير الجيّد الذي قدّمته كلّ من اللجنة التنظيمية، واللجنة العلمية للملتقى، وبالجهود المبذولة؛ سعيا لدفع عجلة البحث العلمي، وكذا بنوعية المداخلات العلمية التي شارك فيها المؤتمرون؛ سواء حضوريا، أو عن طريق تقنية التحاضر عن بعد.
وأشرف البروفيسور توفيق بوفندي مدير جامعة "20 أوت 1955" بسكيكدة بمعية عميد كلية الآداب واللغات ورئيس قسم اللغة والأدب العربي ومدير مخبر التراث الأدبي الجزائري ورئيس الملتقى، على انطلاق أشغال الملتقى الوطني حول رواية السيرة الذاتية، وآفاق الإبداع الروائي من تنظيم كلية الآداب واللغات قسم اللغة والأدب العربي، بالتعاون مع مخبر التراث الأدبي الجزائري (الرسمي والهامشي)، وبمشاركة أساتذة من مختلف ربوع الوطن حضوريا، وعبر تقنية التحاضر عن بعد.
وسُلّط خلال هذا النشاط الأدبي العلمي الضوء على رواية السيرة الذاتية؛ كأفق من آفاق الإبداع الروائي، ومنه الوقوف على جماليات الخطاب السير ذاتي الجزائري والعربي، من خلال الإجابة عن جملة من التساؤلات الجوهرية، من أهمها إشكالية التجنيس، وامتزاج التسجيلي والتخييلي، وكيف طوّع الروائي تقنيات السرد ليعيد صياغتها وتشكيلها لتتناسب ورواية السيرة، والتي تشكّل خطابا واقعيا مفعما بالخيال.
وذكر رئيس الملتقى الدكتور محمد لعور، أنّ هذه التظاهرة الأكاديمية تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف، من بينها محاولة مواكبة تحوّلات الرواية الجزائرية والعربية، وتنمية ثقافة الإبداع والتميّز، وفتح آفاق بحثية جديدة أمام طلبة الدكتوراه، وإثراء الجانب المعرفية والعلمي.
ورأى الأستاذ عمار بشيري من المركز الجامعي "عبد الحفيظ بوالصوف" بميلة، خلال المداخلة التي قدّمها والموسومة بـ:«السمات والخصائص الفنية لرواية السيرة الذاتية"، الروايةَ نوعا تعبيريا قادرا على استيعاب كلّ الأجناس الأدبية، كونها ـ كما أضاف ـ نصّاً يحاكي كـلّ النصوص، وبنية تدمج فيها كلّ الأنواع والأجناس الأدبية. وقد بلغت الرواية أوجّ تجربتها كنصّ مفتوح على كلّ إمكانات التجديد، بعد التطوّرات الجذرية التي عرفتها نظرية الرواية، فانمحت فيها الحدود والفروق بين الأنواع والأجناس الأدبية، بعد أن تمازجت معها لغة الشعر، والموسيقى، والحكاية، والسيرة الذاتية.
ولعلّ أهـم جنس تداخلت معه الرواية، كما أضاف، السيرة الذاتية؛ فقد اشتغل عدد كبير من النقّاد والباحثين بهذه المسألة نتيجة اللبس الذي أحدثه تداخل الرواية بالسيرة الذاتية. فالسيرة تعتمد، بدرجة كبيرة، على تاريخ الشخصية التي يكتب عنها الكاتب؛ سواء كانت سيرة ذاتية أو موضوعية، فيتحدّث عما وقع لهذه الشخصية بذكر كلّ الوقائع؛ باعتماده على التاريخ، ما يجعل السيرة التي يكتبها قريبة من الرواية التاريخية.
أما الدكتور مولود بوزيد من جامعة "مولود معمري" بتيزي وزو، فأشار خلال مداخلته المعنونة "السمات والخصائص الفنية لرواية السيرة الذاتية التشكيل السيرذاتي في رواية "الهجالة" لفتيحة بوروينة، التجنيس/ علامة الالتباس"، إلى ظاهرة برزت في عالم الأدب، تمثلت في الرواية المتّكئة على السّيرة الذّاتية، أو السّيرة المتخفية تحت تسمية الرّواية، معتبرا أنّ العلاقة بين الرّواية والسّيرة الذاتية ظلّت مثار جدل بين كثير من الكتّاب، بين الذي يؤكّد وجود تعالق بينهما، والذي يفترض فكّ الارتباطّ بينهما، والذّي يقول بالعلاقة التّكاملية.
لكن الثّابت، كما أضاف الدكتور، أنّ الرّوائي متواجد في شخصياته، وهو يخترعها ويكتبها، يستعين بسيرته الذّاتية وثقافته ومكتسباته الحياتية في تفكيرها وتحريكها، يتوارى في عوالم شخصياته دون الجهر بذلك. ورأى الدكتور أنّ كثيرا من الباحثين اكتشفوا كمّا كبيرا ممن لجأوا إلى تضمين سيرتهم بين دفتي رواية، مستمتعين بما توفّره لهم الرّواية من حريّة وانطلاق، من تحرّر من أيّ مساءلة، وتخفّف من أيّ مسؤولية واقعية، أو تبعة محتملة، ملقين بالسّيرة إلى عمدة الرّواية، متوارين خلف عالم الرّواية الرحب. وبهذا تعدو سيرة الرّواية هيكل الرّواية في مثل هذه الحالات، يؤثّثها الرّوائي بما يتوافق مع تصوّراته ورؤاه.
ويقول الدكتور مولود بوزيد إنّ الرواية السيرذاتية تنهض من جهتها، على تمويه الذّات، وإبعادها عن المسجل المرجعي، فهي تحويل تخييلي للسّيرة الذاّتية، أو هي نوع من التّركيب المراوغ بين السّيرة الذّاتية والتخيل، لذا، كما أوضح، يلجأ الرّوائي إلى المزج بين السيرة والرّواية، ويربط خيط الرّواية بخيط الواقع، لخلق عالم إشكالي، يصح توصيفه بالواقعي من جهة، وبغير الواقعي من جهة أخرى، ومن ذلك ما اعتمدته الكاتبة الجزائرية "فتيحة أحمد بوروينة"، كما قال في روايتها"الهجّالة"، التي صوّرت فيها فاجعة وفاة زوجها.
أمّا الأستاذة المتخصّصة في علوم اللسان سهيلة مفروش من جامعة "20 أوت 1955"، فرأت الرواية الجزائرية المعاصرة، أكثر الأجناس الأدبية احتواء لسائر تشكيلات الفعل الإبداعي في شتى صوره، والقادرة على التفاعل معها عبر أشكال متعدّدة من التعاليق النصي، حتى بات تمييز كل جنس أدبي عن غيره، أمرا عسيرا؛ لتداخلها، وتوالدها من بعضها البعض؛ لذا رأت أنّ السيرة الذاتية أقرب الأجناس الأدبية إلى الرواية، اندمجت فيها، وشكلت ممارسة إبداعية هجينة، جمعت بين السيرة الذاتية والرواية، في حين أوضح الأستاذ عبد العزيز شويط أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب واللغات بجامعة "محمد الصديق بن يحي" بجيجل، أن خطاب السيرة الأدبية فن جليل القدر، هو جنس أدبي ذو مزايا حميمية عالية في تراثنا الأدبي العربي، وحتى في تراث آداب غيرنا من الأمم، لارتباطه بالنخبة والعظماء والمؤثرين في الحياة وصانعي أمجادها.
ولعل هذا القبول وهذا المجد هو ما سعت الرواية السيريية إلى اكتسابه، ومنه الاعتراف بالقيمة الاعتبارية، والقيمة الجمالية المستقرة لفن السيرة، الذي أضافته الرواية إلى ذاتها الأجناسية. ويرى الأستاذ وجود فرق كبير بين السيرة الذاتية والغيرية من جهة، وبين رواية السيرة الذاتية والغيرية أيضا ولو على مستوى الحقيقة والخيال، وضمان عنصر التخييل كشرط من شروط الجمالية والأدبية والفنية.