البروفيسور بـورايـو يطلق مذكرات "شطر من الذاكرة"

تجربة معبّرة عن نضج وعي النضال في الجزائر

تجربة معبّرة عن نضج وعي النضال في الجزائر
البروفيسور عبد الحميد بورايو
  • 688
مريم. ن مريم. ن

أعلن البروفيسور عبد الحميد بورايو عن انتهائه من ترجمة مجموعة شهادات شفوية قدمها أحمد بودة (1907- 1992)، مشيرا إلى أنه أنجز الترجمة خلال الصيف الماضي، وهي في طريقها إلى القارئ بعد نشرها من طرف الهيئة المشرفة على مجلة "نقد" الجزائرية، المتخصصة في العلوم الاجتماعية.

كتب الباحث بورايو أن أحمد بودة هو أحد مناضلي الحركة الوطنية الجزائرية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كان عاملا زراعيا عند الكولون في عين طاية (بسيركوف)، ثم انتقل إلى بلكور (بلوزداد حاليا) بمدينة الجزائر، حيث تلقّى دروسه الأولى في زاوية الهمامي، ثم حضر دروس الحركة الإصلاحية التي كانت تقدَّم في منتديات العاصمة. وانضم بعدها للنضال السياسي في إطار نشاط حزب الشعب، ثم الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية.

ولعب دورا أساسيا في تسيير هيئات التنظيمين الحزبيين إلى جانب مصالي الحاج، وحسين لحول. وكان المسيّر والموجه الأساس لفرع بلكور، ليتوّج نشاطه النضالي بتقلّد مسؤوليات في نطاق جبهة التحرير الوطني أثناء ثورة التحرير. وسجل الشهادات الصوتية المؤرخ أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الجزائر2، دحّو جربال، وقام بتوثيقها، وتحريرها.وأكد البروفيسور بورايو: "حملت هذه المذكرات عنوان "شطر من الذاكرة ".

وتمثل شهادة هامة عن تطور الحركة الوطنية الاستقلالية الراديكالية منذ الثلاثينيات في أطوارها المختلفة، وفي علاقتها بالقوى الوطنية الأخرى. كما تقدّم مسارا لحياة شخصية، تكشف عن التطور الثقافي للنخبة السياسية الوطنية؛ من الثقافة الطرقية، إلى ثقافة الإصلاح الديني، ثم انتقالها إلى الثقافة الوطنية السياسية الاستقلالية".

وحسب البروفيسور، فإن خطاب هذه الشهادات تميز بسرد الأحداث من وجهة نظر شخصية، لكنها تنبئ عن تجربة نضالية عميقة، وهي بقدر ما تكشف عما جرى من تطورات في الحركة السياسية الثورية في العاصمة، وتقدم نماذج من الشخصيات السياسية والثقافية التي احتكّ بها صاحب الشهادة، وتخوض في مختلف المسارات والتوجهات التي عرفتها مختلف الأحزاب السياسية؛ مثل حركة جمعية العلماء، وحزب البيان، والأعيان المنتخبين لتمثيل المجتمع الجزائري في المجالس البلدية، وفي البرلمان الفرنسي، تكشف، أيضا، عن السياسة الاستعمارية في مختلف مراحلها، وتتوقف عند أهم الأحداث؛ مثل مظاهرات 1 ماي 1945، و8 ماي، والمواعيد الانتخابية.

وقال الباحث بورايو إن خطاب أحمد بودة يمثل من خلال هذه الشهادة، نموذجا للخطاب السياسي النخبوي الجزائري المنبثق من رحم المجتمع الجزائري، من أسفل السلم الاجتماعي، والمعايش لمختلف التطوّرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي عرفتها الجماعة الجزائرية منذ الحرب العالمية الأولى حتى الاستقلال، وبأنه رواية لمجموعة من الأحداث والمواقف والنزاعات التي حصلت بين الهيئات والشخصيات السياسية الأساسية التي تزعمت المشهد السياسي الوطني خلال الحقبة الاستعمارية، التي أفضت إلى قيام ثورة التحرير.

ويضيف الكاتب: "يمكن القول إن هذه الشهادات تمثل مرجعا أساسيا لتاريخ الحركة الوطنية ولظروف قيام ثورة التحرير في مدينة الجزائر، صاغتها شخصية كان حظها من التعليم قليل، غير أن معايشتها الأحداث وتطور إمكانياتها الذاتية ووعيها السياسي تبعا للحركة الثقافية والسياسية التي عرفها محيطها، وكذلك بالنظر إلى تجربتها النضالية، جعلتها قادرة على تقديم تاريخ المرحلة بنظرة ثاقبة وموضوعية، تبعث على الإعجاب، وتفسّر ما أحدثته الحركة الوطنية وثورة التحرير من انقلاب في ذهنية الإنسان الجزائري، وتشكيل لشخصية أفراد نخبته التي قادته إلى مرحلة الاستقلال الوطني.

للإشارة، كان لقدرات المؤرّخ دحو جربال دور كبير في بروز أهمية هذه الشهادات بالنظر إلى ما قام به من توثيق يخص الأعلام المذكورة، وكذلك الأحداث الكبرى المسرودة، إلى جانب العناية بما هو كاشف عن الحقائق التاريخية الأساسية.