مهرجان التراث المبنيّ بأبي يوسف

تازروت جوهرة تحتفي بروح البيت القبائليّ

تازروت جوهرة تحتفي بروح البيت القبائليّ
  • 853
د. مالك د. مالك

انطلقت الدورة الثالثة للتراث المبني، أمس الأربعاء، بقرية تزروث التابعة لبلدية أبي يوسف، على بعد حوالي 50 كلم جنوب تيزي وزو، وتستمر إلى غاية 3 أوت الجاري. وأوضح أحد أعضاء الجمعية الثقافية "جمال آث أومجقان" المنظمة للحدث بالتعاون مع الحركة الجمعوية وديوان السياحة والصناعة التقليدية "أغرقال" لقرية تزروث وبلديتي أبي يوسف وعين الحمّام، أمقران بن حاجي، أن الهدف من هذه الدورة الجديدة هو "الحفاظ على التراث المبنيّ العريق، والخبرة المعمارية التقليدية".

تزيّنت قرية تازروت بأجمل حُللها لاستقبال النسخة الثالثة من مهرجان التراث المعماري، الذي انطلق أمس ويستمر إلى 3 أوت الجاري؛ حيث تحوّل هذا الركن الصغير من ولاية تيزي وزو، إلى متحف في الهواء الطلق، يحتفي بالعمارة التقليدية القبائلية. وعلاوة على الحفاظ على الطابع العمراني للبيوت التقليدية، ترمي هذه الدورة إلى "ترقية وحماية الأثاث المميز، والأواني التي كان يستخدمها سكانها"، كما أضاف.
وأشار بن حاجي إلى إعداد برنامج ثريّ، يتضمن معرضا لكل الأواني الموجودة قديما بالبيوت الصغيرة المصنوعة من الحجارة والأسطح القرميدية الحمراء، والمطلّة على فناء صغير وحديقة، والتي كانت تشكل نواة قرى منطقة القبائل.
كما يُرتقب تنظيم ورشات عمل حول تقنيات البناء القديم، وزيارات موجهة إلى بيوت قديمة بقرية تزروث، إلى جانب نشاطات ثقافية وفنية.
ولفت بن حاجي إلى مواصلة منظمي التظاهرة عملية ترميم البيوت التقليدية، مذكّرا بترميم بيت كبير خلال الدورة الأولى للمهرجان (2019)، واثنين آخرين في دورته الثانية (2022). وبالموازاة مع ذلك، سيشكل هذا المهرجان "فرصة لتسليط الضوء على تاريخ وكنوز تراثنا المبنيّ، وكذا للالتقاء والتبادل بين هواة الهندسة المعمارية والمؤرخين، وكل المهتمين بتراثنا الثقافي"، وفق ما أكد المنظمون.
والبيت القبائلي ليس مجرد مبنى عادي، بل هو شهادة حية على تاريخ وثقافة وحرفية شعب بأكمله.
وتنظَّم هذه الدورة تحت شعار "إبراز الجوانب المعمارية للبيت القبائلي" . وتهدف إلى إلهام العمارة الحديثة بالاستفادة من كنوز الماضي.
وخلال المهرجان ستُعقد ندوة تجمع بين مختصين مرموقين في العمارة التقليدية، يشارك فيها هؤلاء الخبراء معرفتهم وأبحاثهم حول تقنيات البناء القديمة، والمواد المستخدمة، والزخارف والرموز التي تجعل من كل بيت قبائلي عملاً فنياً بحد ذاته. والهدف من هذه الندوة مزدوج؛ فمن ناحية، توعية الجمهور بأهمية الحفاظ على هذا التراث المعماري. ومن ناحية أخرى، إلهام المهندسين المعماريين والبنائين دمج مبادئ البناء التقليدي في المشاريع الحديثة؛ لأنه، خلافاً للاعتقاد السائد، يمكن، تماماً، التوفيق بين الحداثة والتقاليد.
البيت القبائلي هو أكثر من مجرّد مأوى. بُني باستخدام مواد محلية واتباع تقنيات مجربة، وهو مُكيف تماماً مع بيئته، وجدرانه السميكة، وأسقفه المائلة. وفتحاتها الموضوعة بعناية تضمن عزلًا حراريًا وصوتيًا ممتازًا. وبالإضافة إلى ذلك، فغالبًا ما يُبنى البيت القبائلي على أرض منحدرة؛ مما يعزز التهوية الطبيعية، والتصريف الفعال لمياه الأمطار. لكن البيت القبائلي هو أيضًا مكان للحياة؛ حيث لكل عنصر فيه دلالة؛ النقوش الخشبية، والجداريات، والألوان المستخدمة.. كل هذه التفاصيل تشهد على ثقافة غنية ومعقدة؛ فالبيت القبائلي هو كتاب مفتوح عن تاريخ ومعتقدات سكانه.
ومن جهتهم، يناشد منظّمو المهرجان الجميع للحفاظ على هذا التراث المعماري؛ من خلال "الاستلهام من مبادئ البناء التقليدي، يمكن إنشاء بيوت حديثة، بيئية وجمالية، بحفاظنا على تراثنا المبنيّ، ونقله إلى الأجيال القادمة كإرث لا يقدّر بثمن".
واليوم يُهدَّد التجانس المعماري للقرى بشكل جدي، من خلال الزيادة المتصاعدة في نماذج أجنبية؛ إذ يتم استيراد وتطبيق خطط معمارية مصممة لتلبية احتياجات ثقافات ومناخات أخرى في هذه القرى؛ مما يُحدث حالة قطيعة مع التقاليد البنائية المحلية. وهذه الممارسة تؤدي إلى مزيج من الأنماط المعمارية، التي رغم كونها أحياناً مثيرة للاهتمام، تغير، بشكل عميق، الطابع الأصيل للقرى. والعناصر المحلية التي تعكس التراث الثقافي والحرفية القديمة، تتراجع تدريجياً أمام الأشكال المعمارية الموحدة وغير الشخصية. وهذا التغيير لا يهدد، فقط، الجمالية التقليدية للقرى، بل، أيضاً، هويتها الثقافية الفريدة.
وعلى ضوء ما سبق، فإنه من الضروري، اليوم، الحفاظ على العمارة التقليدية للحفاظ على التكامل الثقافي والتاريخي لهذه القرى، مع البحث عن طرق لدمج الأفكار الجديدة بطريقة متناغمة ومحترمة للتقاليد المحلية