المجاهد الديبلوماسي عبد المجيد صانع ضيف "أربعاء الكلمة"
تأدية دين لمن رحلوا وانتصارات رجال الخفاء بطولة مطلقة

- 290

استضاف فضاء "أربعاء الكلمة"، مؤخرا، المجاهد والديبلوماسي عبد المجيد صانع، لتقديم كتابه "المحاربون المخفيون والجانب السري لحرب التحرير"، معتبرا هذا المنشور بمثابة العرفان لرفقاء الجهاد، حيث تناول الضيف محطات مهمة في تاريخ الثورة، مع ذكر بعض الفتوحات الاستخباراتية التي اخترقت الجانب الفرنسي، ووصلت إلى عمق إدارته ومراكز قراره.
أشارت منشطة اللقاء، السيدة فوزية لارادي، في كلمتها الترحيبية، إلى أن الضيف استطاع الهروب من سجن قسنطينة إبان حرب التحرير، ليغادر إلى مارسيليا، وفيها ساعده بعض المناضلين الفرنسيين وأدخلوه التراب السويسري، لينضم بعدها للحكومة المؤقتة ويتكفل بملف الشؤون الاجتماعية، ثم المشاركة في مفاوضات إيفيان، وبعد الاستقلال، ساهم في بناء الدولة الفتية، وكان وراء تأسيس وزارة الشؤون الخارجية مع الراحل محمد خميستي، ليمارس بعدها العمل الديبلوماسي، ويمثل الجزائر في العديد من الدول الآسيوية وفي أمريكا.
أبطال مجهولون لم يذكرهم التاريخ
قال الضيف، إن كتابه هو عرفان لرفقائه في الكفاح، منهم من سقط في ساحة الشرف، ومنهم من فضل أداء الواجب بشجاعة، علما أن أغلب هؤلاء عملوا في صمت وخفاء، وحققوا الانتصارات دون أن يسلط التاريخ عليهم أضواءه.
قرأ المجاهد الضيف مقاطع من كتابه "المحاربون الخفيون والجانب السري لحرب الجزائر"، مفصلا في شهاداته الحية عن انضمام الطلبة الجزائريين للثورة، وكذا دور المهاجرين الجزائريين في هذه الثورة، مع ذكر أيضا دور بعض المناضلين والمثقفين الفرنسيين والأوروبيين في مد العون للجزائريين، علما أن الكثير منهم دفع الثمن غاليا.
قال الديبلوماسي السيد صانع، إن الكتاب هو أيضا التزام معنوي ووعد ربطه برفاق الجهاد، ليسرد موقفا لا يزال في ذاكرته، فحين كان في مخبأ مع رفقائه، منهم الشهيدة فضيلة سعدان، قالت هذه الأخيرة "من يبقى منا على قيد الحياة يكتب عنا"، وكان ذلك وعدا نافذا تحقق في هذا الكتاب، ليسرد الكاتب بعض العقبات التي واجهته، منها جمع الذاكرة مجددا والبحث عن من بقوا على قيد الحياة، وكذا ظروف الكتابة والنشر وغيرها.
اعتبر عبد المجيد صانع أن شهادته عرفان آخر تجاه أصدقاء الثورة الجزائرية من الأجانب، مستحضرا نشاطه في فرع الهلال الأحمر الجزائري في سويسرا، التي كانت الأرضية الخلفية للثورة..
تحدث عبد المجيد صانع ("سي مراد" ابن مدينة قسنطينة) أيضا، عن مساره النضالي المتأثر بوالده المناضل في صفوف الحركة الوطنية، ليلتحق "سي مراد" بالثورة في 1955، مكلفا بعدة مهام في المدينة، منها تأمين المخابئ، إلى أن اخترقت شبكته ويقرر القادة إرساله إلى فرنسا ليبدأ مشوارا آخر.
تناول الضيف عدة تواريخ مهمة، منها تاريخ التحاق الطلبة الجزائريين بالثورة، وكيف قدم جيلهم قوافل من الشهداء، ناهيك عن حضورهم القوي في العمل السياسي والدبلوماسي خارج الوطن، وكذا مجازر 8 ماي 1945، التي كانت بمثابة القطيعة مع فرنسا، وبقيت حية في النفوس، ليتحول العمل النضالي السياسي إلى العسكري الثوري، ويكون بذلك هذا التاريخ الخطوة الأولى لثورة التحرير في 54.
الذاكرة ليست ماض بل حاضر يستمر
قال المتحدث إن فرنسا هي من دفعت جيله للحرب ببطشها وطغيانها وقهرها، والكتاب يسرد بعضا من ذلك، إلى جانب الحرب السرية، منها حرب المعلومات والتحكم في التقنيات التي سعت الثورة إلى امتلاكها، وهو ما تجلى أيضا في تأسيس الشبكات السرية لحماية الثورة وقادتها في الداخل والخارج، وهذه الاستراتيجية كانت بمثابة التحضير أيضا لتأسيس الدولة الجزائرية بعد62.
وقف المتحدث بالمناسبة، عند الرجال الذين خدموا في السرية، وكانوا أبطالا، منهم من قدم حياته من أجل الجزائر، مستحضرا دور الخلايا والمجموعات السرية وأعوان المعلومات (جواسيس) الذين تسللوا لقلب الإدارة الفرنسية، ووصلوا لمجموعات الضغط الفرنسية، كما عمل هؤلاء على تأمين قادة الثورة وإدارة العمليات المسلحة دون أن يلفتوا النظر إليهم، فهم كانوا بلباسهم المدني ولم تكن لهم أية رتب عسكرية، ولم يحملوا النياشين، ورغم دورهم، ظلوا مغمورين، لم يكتب التاريخ عنهم.
كما أكد المتحدث، أن ثورة الجزائر مختلفة عن غيرها من الثورات، كونها تتعدى الجانب العسكري إلى الجوانب النفسية (الحرب النفسية)، وكذا الحرب السرية، واستطاعت مواجهة الحرب النفسية والدعاية الفرنسية والتشكيك الذي يستهدف الشعب الجزائري، موضحا أن هذه الحرب لا تزال بعض معالمها فاعلة إلى اليوم.
مؤتمر الصومام العمود الفقري للثورة
من المحطات المهمة التي ركز عليها المجاهد صانع؛ مؤتمر الصومام في 1956، الذي هو هيكلة وتنظيم للثورة، وكان تحديا لفرنسا برؤية تجاوزت الزمان والمكان، من خلال استراتيجية سياسية ومراكز قيادة، والتنسيق بين القيادات والجهات وتغليب السياسي على العسكري والداخل على الخارج، وبالتالي أقيم للثورة عمودها الفقري.
بالنسبة للانتصارات الديبلوماسية، قال السيد صانع، إنها بدأت مع مؤتمر باندونغ في 55، حين ساند 9 رؤساء الثورة، ثم فتح بعدها مكتب الجبهة بنيويورك. من الانتصارات أيضا، موقف الوفد الجزائري المفاوض في إيفيان، وصرامته، خاصة ما تعلق بالوحدة الوطنية، كما تناول المتحدث جوانب أخرى مختلفة، منها المحاكم المحلية للثورة التي شارك فيها، ليؤكد أن هذه الذاكرة التي يهبها اليوم لجيل الشباب، هي تحصين له ضد النسيان وافتخار بما قدمه الجزائريون من تضحيات وانتصارات.