المائدة المستديرة "السياسة السينمائية في إفريقيا"
بحث سبل بناء منظومة متكاملة
- 172
مبعوثة المساء" على تيميممون: نوال جاوت
نُظّمت ضمن البرنامج المرافق للدورة الأولى للمهرجان الدولي للفيلم القصير، مائدةٌ مستديرة استثنائية، احتضنتها قاعة السينما "مالك بن نبي" وجمعت أبرز صنّاع السياسات السينمائية في إفريقيا، لبحث مستقبل الصناعة في القارة، وتمويل الإنتاج، وهيكلة المهن، وسبل بناء منظومة سينمائية متكاملة قادرة على حمل صوت إفريقيا إلى العالم. حيث تشهد هذه الصناعة خلال العقود الأخيرة تجدّدًا إبداعيًا وحضورًا متزايدًا على الساحة الدولية.
المائدة المستديرة التي ترمي إلى فتح نقاش حول رهانات التمويل وهيكلة المهن السينمائية، من خلال استعراض المبادرات العامة والخاصة التي تدعم الإبداع والتكوين وتوزيع الأعمال. وتشكّل هذه الفسحة الحوارية فرصة للتفكير الجماعي في آفاق سينما إفريقية تنافسية، قادرة على حمل صوت القارة عبر الحدود، نشّطها زين الدين عرقاب (مدير المركز الجزائري لتطوير السينما- محافظ المهرجان الدولي للفيلم القصير بتيميمون) الذي شرح البنية المؤسسية الجزائرية والجهود المبذولة لتطوير قطاع الإنتاج والتوزيع والتكوين، جيرمان كولي (مدير مركز السينما – السنغال) الذي قدّم عرضاً معمّقاً عن التجربة السينغالية التي حقّقت قفزة نوعية في الإنتاج والتكوين خلال العقد الأخير إلى جانب بالوفو باكوبا (مدير مركز السينما – الكونغو) الذي دعا إلى استعادة السيادة البصرية للبلاد، مؤكّداً ضرورة التحرّر من الصور المفروضة تاريخياً على إفريقيا إلى جانب شاكر شحي (مدير المركز الوطني للسينما والصورة – تونس) الذي توقّف عند الطفرة التي عرفتها السينما التونسية، بفضل سياسات دعم مستدامة وبرامج تكوين فعّالة. ولم يكن اللقاء مجرّد مساحة لتبادل المداخلات، بل ورشة رؤيوية مفتوحة تُقارب السياسات والممارسات والتجارب الميدانية، وتعمل على صياغة أولويات مشتركة لصناعة سينمائية إفريقية تعتمد الإبداع والتكوين والعمل المشترك ركائزَ أساسية لها.
بداية، أبرز جيرمان كولي أنّ السينغال تعيش تحوّلاً ملحوظاً في المشهد السينمائي، وتحدّث عن التكوين من خلال برامج ماستر في الإخراج والتقنيات بجامعات مثل سانت لويس، إلى جانب ورشات محلية، أما التمويل فاستعرض فيه آليات حكومية لدعم الإنتاج، مع بحث آفاق التمويل الذاتي والرقمي، إلى جانب الإنتاج والتواجد الدولي من خلال الحضور الدائم في كبرى المهرجانات الإفريقية والعالمية.
كما توقّف كولي عند التعاون جنوب–جنوب، عبر إبرام أكثر من 15 اتفاقية إنتاج مشترك، مع رغبة قوية في تعميق التعاون مع الجزائر، مؤكّدا أنّ هدف السينغال هو تمكين إفريقيا من رواية قصصها بأصواتها، بعيداً عن الروايات الخارجية. وتحدّث عن التعاون الإفريقي الذي جسّده فيلم "شار" لكاندو جرال واعتبره نموذجاً ملموساً لقوّة التعاون الإفريقي حيث كان الطاقم التقني جزائريا، بتمويل سنغالي فيما احتضنت تونس مرحلة ما بعد الإنتاج، وأوضح أنّه رغم منعه في فرنسا، فقد عُرض في مهرجان كان 2024 بنسخة مرممة، في انتصار للتعاون السينمائي بين الدول الإفريقية.
من جهته، تحدّث بالوفا باكوبا عن رحلة استعادة السيادة الفنية في الكونغو ووصفه بـ"استعادة السرد وبناء فضاء بصري مستقل"، مستعرضا السياسة السينمائية التي ارتكزت على إنشاء مركز ثقافي وفني على مساحة 10 هكتارات، يضم مرافق للإنتاج والتكوين والعروض الفنية، إلى جانب الاهتمام بالتكوين عبر الاستفادة من تجاربه في أوروبا وأميركا لإعادة توجيه الصورة نحو الذات الإفريقية، فضلا على العمل على برامج تبرز ذاكرة الكونغو وتحدياتها، مع تعزيز التعاون الإقليمي، وخلاصة رؤيته جاءت في عبارته اللافتة "من ينتج صورته، ينتج سيادته".
أما زين الدين عرقاب فقدّم قراءة دقيقة للمنظومة الجزائرية وتحدّث عن بنية مؤسساتية راسخة ورؤية مستقبلية واضحة، واستحضر المركز الوطني للسينما، المركز الجزائري لتطوير السينما، ومركز الأرشيف السينمائي، مشيرا على تكامل بين الدعم، التوزيع، الحفظ، وإتاحة منصات العرض الجديدة فيما يتعلّق بالإنتاج والتوزيع، إلى جانب برامج لتأهيل الشباب، ومبادرات مثل المدينة السينمائية بتيميمون كمختبر إبداعي مفتوفيما يخصّ التكوين وفق استراتيجية تحسين التمويل ودعم المواهب وضمان حضور دولي متزايد للأفلام الجزائرية.
التجربة التونسية، اعتبرها شاكر شحي "سياسة ناجحة وسينما تتقدم بثبات"، موضحا أنّها تستند إلى سياسات دعم مستدامة تراعي البعدين الفني والتجاري، مدارس ومعاهد تكوين بشراكات دولية، إنتاج مشترك فعّال مع الدول الإفريقية والأوروبية. مشيرا على نتائج ملموسة أهمّها بروز جيل جديد من المخرجين والمخرجات، وحضور دولي لافت.
خلصت المائدة المستديرة إلى رؤية مشتركة ترتكز على السيادة السردية الإفريقية، تطوير التمويل المستدام، هيكلة المهن السينمائية، التكوين المتواصل إلى جانب دعم الإنتاج المشترك والحفاظ على الهوية الثقافية والذاكرة الجماعية، وأكّد المشاركون أنّ النهوض الحقيقي بالسينما الإفريقية يمر عبر الإرادة السياسية، ورؤية استراتيجية، واستثمار مباشر في الإنسان، ليصبح الفيلم الإفريقي مرآة صادقة لصوت القارة عبر الحدود.