“المساء” تستفتيهم في مسألة تعديل النصوص الأدبية

النقاد يجيزون... ويفضلون التريث

النقاد يجيزون... ويفضلون التريث
  • القراءات: 1430
لطيفة داريب لطيفة داريب

غير الكاتب محمد بن جبار بعض كلمات رواية “أربعمائة متر فوق مستوى الوعي”، بعد صدورها بسنوات، بحجة تهذيبها. وفي هذا السياق، طرحت “المساء” الإشكالية التالية على الكاتب نفسه، وعلى نقاد جزائريين، وهي “هل يجوز للكاتب إحداث أي تغيير في عمل عرف النشر، أم أن ذلك يعد تعديا على الكتاب الذي أصبح الآن بين يدي القارئ والناقد؟”.

الدكتور سعيد بوطاجين: على الكتاب بالتؤدة والكتابة للمستقبل

عاد الدكتور بوطاجين إلى قضية إعادة صياغة بعض النصوص التي عرفتها فترة النهضة، في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، حيث استعمل بعض الكُتاب الدارجة في حواراتهم، مما أحدث مشكلة في المقروئية واختراقا للحدود الوطنية، باعتبار أن الأمة العربية لا تعرف كلها اللهجة المهيمنة في بلد ما، وهو ما دفعهم بعدها إلى إعادة كتابة بعض الحوارات باللغة العربية.

أضاف الأستاذ، أنه كتب في جريدتي “الجمهورية” و"أخبار الوطن” عن مسألة التقاطعات اللغوية في النص الجزائري، داعيا في السياق نفسه، إلى تجنب استعمال العامية في النصوص، لما يجنيه ذلك من متاعب للقارئ والمترجم على حد سواء. هذا الأخير، قد يعرف العديد من اللغات الرسمية، ولكن بعض قضايا العامية تتجاوزه.

في المقابل، أشار بوطاجين إلى اعتماد بعض الكُتاب الشباب على مستويات تعبيرية للسوق، لاعتقادهم بأنهم يجسدون النقل الحرفي للمحتوى، أو بما اصطلح عليه نقديا بـ"اللغة الحرفية”. وأضاف أن اللغة الحرفية في الأصل، يُقصد به مستويات مختلفة في اللغة الواحدة ولا يقصد بها لغة الشارع، إلا أن الكثير من الكُتاب سقطوا بما أطلق عليه في الميدان النقدي بالشعبوية.

تابع مجددا “بعض الكتاب الجزائريين في فترة التسعينات وحتى الآن، وقعوا في هذا التوجه الذي قد يصلح لفترة زمنية ظرفية، ولكنه لا يصلح لفترات لاحقة. قد يستعمل الكاتب الدارجة في الحوارات، ثم يعدلها، ولكن سنصبح أمام نصين مختلفين أو مصدرين مختلفين في حال خضوع النص هذا إلى دراسات نقدية في الماجستير والدكتوراه، لهذا أطالب الكتاب بالتؤدة، وأن يكتبوا للمستقبل حتى لا يندموا مستقبلا، لأن الشعوبية لا تخدم أحدا”.

الدكتور محمد تحريشي: يجوز لكن يجب أن يصرح الكاتب بذلك

قال الأستاذ تحريشي، إنه يحق للكاتب أن يعيد نشر أعماله في نسخة مزيدة ومنقحة، وعلى دار النشر أن تشير إلى أن الطبعة الأخيرة هي طبعة ثانية أو ثالثة، وتابع “إذا أضاف المؤلف أو حذف أو زاد أو أنقص، عليه أن يصرح بذلك. وعلى القراء الإشارة في قراءتهم إلى الطبعة موضوع الدراسة”.

أضاف أنه، قد درجت العادة أن لا يتدخل الكاتب في أعماله المنشورة على أنها أصبحت ملك القراء، حتى وإن وقع في أخطاء أو مطبات فعليه تجاوزها في الأعمال القادمة. مؤكدا أن الأمر بين كاتب يستعجل الكتابة والطبع والنشر من دون مراجعة، وكاتب يدقق في كل شيء قبل أن يسلمه إلى دار النشر، ثم قبل أن يطبع الطباعة النهائية.

الأستاذ محمد سعدون: نعم لأن أفكار الإنسان تتغير

ذكر الأستاذ محمد سعدون، أن التعديل في الكتاب أو التمحيص أو الحذف أو الزيادة، ربما هو فعل إيجابي، إذ ربما يكون المؤلف قد وقع  في أخطاء أو حدث له تراجع في بعض الأفكار، فوضع بديلا أحسن، أرى أنه أمر مستحسن، حتى لو كان الكتاب قد صار ملكا للقراء، مضيفا أننا نجد التغيير والتهذيب والتشذيب عند كتاب كبار بعد طباعة كتبهم عدة مرات، ونجدهم يصرحون بالحذف والتغيير في مقدمة كل طبعة، لأن أفكار الإنسان لا تبقى ثابتة، بل تتغير باستمرار.

الكاتب محمد بن جبار: ضد صياغة الرواية من جديد ومع تهذيب الكلمات

أكد الكاتب محمد بن جبار، إمكانية تغيير وتشذيب وتهذيب بعض الكلمات التي وردت في الرواية، مقدما مثالا بروايته الأولى “أربعمائة متر فوق مستوى الوعي”، التي لاقت استحسان القراء من جهة لموضوعها، واستهجانا في آن واحد لوجود بعض الأخطاء وبعض التراكيب غير الصائبة، مرجعا ذلك إلى التسرع والتلهف وراء النشر، الذي حرم منه لزمن الطويل.

تابع “بعد أكثر من خمس سنوات، تداركت الإشكال الذي قلل من أهمية الرواية الجمالية، بحذف الكلمات النابية واستعمال بدلا منها أقل نبرة وأقل شدة، وهذا لا يغير من جوهر الرواية شيئا، فضلا عن تصويب ما يمكن تصويبه دون المساس بالحبكة والشخصيات والأحداث..الخ. أما صياغة الرواية من جديد، فأمر آخر تماما وغير مقبول، لأن الرواية أصبحت ملكا للقارئ، وكل تعديل ينصب على جوهر الرواية غير مقبول إطلاقا، وهو تعد غير محمود”.