متحف سيرتا يحتفل بـ"لازار كوستا"
المدافع عن آثار قسنطينة

- 1456

يحيي متحف سيرتا بقسنطينة حاليا، ذكرى "لازار كوستا" الإيطالي الهاوي، الذي اكتشف معبد الحفرة بقسنطينة، حيث تقع مدينة الجسور المعلقة (كيرتا القديمة) على صخرة عالية على ضفاف نهر الرمال، وهو موقع يوفر لها دفاعا طبيعيا، عمرها آلاف السنين إلى وقتنا الحالي، وتاريخها يستحق أن يعرض للجمهور افتراضيا.
أشار المعرض الافتراضي إلى أن البحث الأثري الأول في أرجاء المدينة، بدأ بعد وقت قصير من وصول الفرنسيين، وعثر على حوالي 100 لوحة (نقيشة) بموقع الحفرة عام 1830، على بعد كيلومتر واحد شرق سيرتا. يعود تاريخ أول اكتشاف كبير في منطقة الحفرة إلى عام 1875، أثناء حفر أحد سكان مدينة سيرتا، والمدعو "روسيلو"، في حديقته، حيث اكتشف بقايا جدران، إلى جانب حوض صغير رباعي الزوايا، وبقايا جدران وزخارف جصية، وعدد من العناصر المعمارية وعظام حيوانات مختلطة بالرماد، وبعد سنوات قليلة وأثناء الحفر، لزراعة الكروم في الأرض عند سفح تل الحفرة، تم الكشف عن نقائش أخرى. على إثرها، قرر الإيطالي لازار كوستا، الذي سيلعب دورا كبيرا في إثراء متحف قسنطينة، مواصلة البحث، حيث تم الكشف عن ما يقرب من 130-140 نصبا تم دفنها على عمق 30 إلى 40 سم، وترتيبها في صف واحد، على مسافة كبيرة من بعضها البعض.
لعب لازار كوستا، وهو تاجر تحف (المولود في سانتا مارغريتا ليغوريا بإيطاليا عام 1814 على الأرجح)، دورا أساسيا، ليس في اكتشاف أحد أشهر المعابد البونية في بلاد المغرب القديم فقط، لكن وفي تكوين ما سيكون النواة الأولى في إثراء متحف سيرتا الحالي والمجموعة الهامة المحفوظة في متحف "اللوفر" في باريس أيضا، حيث لا زال يشار إليها باسم مجموعة لازار كوستا. نشاطه المتواصل، سمح باكتشاف واستعادة العديد من الهياكل والقطع الأثرية القديمة لمدينة سيرتا، مما أكسبه ترحيبا في الجمعية الأثرية بقسنطينة، حيث ظهر اسمه كعضو فخري عام 1868م. وجعله شغفه بالتحف شجاعًا تحت قبعته المسطحة، سواء في برد الشتاء أو في حرارة الصيف، لم يتكاسل في الذهاب مرتين يوميا إلى الموقع الذي تم فيه تخزين هذه الأحجار الفريدة، والتي كانت في الواقع لوحات قرطاجية أصلية. خصص المجلس البلدي يوم 28 نوفمبر 1855، باقتراح من رئيس البلدية، مبلغ 10 آلاف فرنك لشراء المجموعة الكبيرة التي يمتلكها لازار كوستا، وبفضل هذا الكنز الأثري، تم افتتاح أول نواة لمتحف سيرتا، وهكذا تم إثراء المتحف بخمسمائة قطعة ترجع إلى الفترة الرومانية، وحوالي ألف قطعة برونزية وألف وثلاثمائة قطعة أثرية مختلفة من الزجاج والحجر والطين المشوي والفسيفساء، وأكثر من مائة قطعة عليها كتابات بونية وبونية جديدة ومصابيح وجرار ومنحوتات، وغيرها.
بعد الإسهام الكبير الذي منحه لمتحف سيرتا قسنطينة، بتسليمه لعدد كبير من التحف لمجلس المدينة البلدي، تم إنشاء اللبنة الأولى للمتحف. وفي سنة 1860، نقلت هذه المجموعة إلى مقر بلدية قسنطينة آنذاك، أما النقيشات والتماثيل الحجرية الكبيرة، فنقلت هي الأخرى سنة 1869م إلى الحديقة العامة "لابريش"، ثم مرة أخرى نقلت المكتشفات الأثرية من مقر البلدية إلى قاعة الحفلات سنة 1904م، حيث وضعت في أماكن خاصة بها، ثم كانت وجهتها الأخيرة إلى بناية المتحف الأثري بكدية عاتي. توفي هذا العالم الإيطالي في شهر أفريل 1877م، وكان بحق خبيرا كبيرا بمدينة قسنطينة وضواحيها، وكان أيضا باحثا لا يكل ولا يمل، مقتنعا بأن التحف القديمة التي تم استخراجها من إفريقيا، لابد أن تبقى في موطنها الأصلي.