هجمات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955

الكاتبان عزيز موات وخيدر وهاب يستحضران الذكرى

الكاتبان عزيز موات وخيدر وهاب يستحضران الذكرى
الكاتب والباحث والصحفي، الدكتور عزيز موات
  • 189
بوجمعة ذيب بوجمعة ذيب

ما تزال منطقة الولي الصالح "سيدي أحمد" بأعالي سكيكدة، تستحضر الحدث التاريخي الذي صنعه البطل الشهيد الرمز زيغود يوسف، رفقة مجموعة من الوطنيين، الذين كان لهم شرف المشاركة في هجمات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني، والتي كان المقام الزكي لـ"سيدي أحمد"، منطلقا لها، فكانت تلك الهجمات التاريخية دفعة قوية للثورة الجزائرية.

أشار الكاتب والباحث والصحفي، الدكتور عزيز موات، من خلال كتابه التاريخي الموسوم بـ"حصى سيدي أحمد"، إلى أن البطل الشهيد زيغود يوسف، وقبيل انطلاق الهجمات، اجتمع بالمسبلين والمواطنين، الذين قدموا من كل النواحي للمشاركة في هجمات 20 أوت 1955، على مستوى مقام "سيدي أحمد"، حيث عرف كيف يحشد المواطنين لإنجاح هذه العمليات. وقد انطلقت الهجمات على الساعة منتصف النهار، وصادفت يوم محرم، وأوضح الكاتب، أن اختيار المكان والتاريخ لم يكن اعتباطيًا، بل تم بعناية من طرف زيغود يوسف، لما يحمله من رمزية دينية كبيرة لدى الجزائريين.

ويضيف الكاتب أن البطل الرمز زيغود يوسف، وبعد اعتلائه مقام "سيدي أحمد"، إيذانًا بالجهاد المقدس ضد الاستعمار، طلب من رفقائه الوضوء بمياه المنبع المتواجد بجانب المقام، قبل الانطلاق، أما الذين لم يتمكنوا من الوضوء لكثرة عددهم، أو خوفا من انكشاف أمرهم، فقد طلب منهم التيمم بالحصى، ومن هنا استوحى عنوان كتابه. 

وأوضح في السياق ذاته، أن استجابة المجاهدين كانت خالصة لنداء الجهاد ضد الفرنسيين، وضد الظلم والاستبداد، ومن أجل التحرر فقط، بخلاف الروايات التي ربطت أحداث الشمال القسنطيني بنفي السلطان محمد الخامس. وقد هب المئات للمشاركة في هجمات 20 أوت، وكلهم متسلحون بالإيمان والشجاعة والرغبة في الاستشهاد، رغم أنهم لم يكونوا يملكون سوى الفؤوس والمعاول وبعض قطع السلاح البدائية.

يروي الباحث عزيز موات ـ رغم أن سنه آنذاك لم يتجاوز الخمس سنوات ـ أنه تمكن من تصوير ـ كما جاء في كتابه ـ النساء وهن يحضرن الكسكس، المرتبط عادة بإحياء المناسبات الدينية بالمنطقة، كما سجل لحظة رفع الأذان لأول مرة للإعلان عن الجهاد في سبيل الله، إلى جانب خروج المناضلين من الغابة مرددين: "لا إله إلا الله... الجهاد في سبيل الله"، مرفقين أصواتهم بزغاريد النساء، مشيرا إلى أن تلك الصور والمشاهد ظلت حاضرة في نفسيته.

من جهته، سرد الكاتب والإعلامي خيدر وهاب، من خلال كتابه المعنون بـ"سكيكدة.. شظايا من الذاكرة"، إحدى أهم المحطات التاريخية في حياة مدينة سكيكدة، التي وقعت مساء 20 أوت 1955، وتمثلت في اشتباك 14 مجاهدًا مع قوات العدو الفرنسي، حيث استشهدوا جميعًا في دار "بومنجل ذيبون"، الكائنة بوسط المدينة، على بعد أقل من 300 متر فقط من الجهة الشمالية الغربية لسجن سكيكدة، خلال الفترة الاستعمارية.

وحسب الشهادة التي أوردها خيدر وهاب، بناء على المعلومات التي استقاها من أفواه من عايشوا تلك الفترة، فإن الاشتباك وقع ظهيرة يوم 20 أوت 1955، إثر مرور العشرات من المجاهدين القادمين من مقام "سيدي أحمد"، مرورًا بحي بني مالك ومنطقة "باب الأوراس" بأعالي سكيكدة، ليتوجهوا بعدها نحو شارع "الوهد" في اتجاه سجن المدينة، في مهمة تستهدف مهاجمة الحراس المتواجدين على أسطح السجن، وتحرير المعتقلين الجزائريين.

غير أن الخطة لم تسر كما كان متفقًا عليها، إذ بمجرد وصول المجاهدين أمام مدخل السجن، تعرضوا لإطلاق نار كثيف من طرف الحراس، فردوا في البداية، لكنهم سرعان ما تراجعوا نحو شارع "الوهد". وهناك عادوا إلى دار "بومنجل ذيبون"، وفور دخولهم إليها، انقسموا إلى مجموعتين: الأولى تمركزت في الطابق الأرضي، والثانية في الطابق الأول، وكأنهم يستعدون لهجوم مرتقب. وقد باغتتهم القوات الاستعمارية، فداهمت المنزل وهي مدججة بالأسلحة الثقيلة. ورغم ذلك، أبدى المجاهدون مقاومة بطولية ولم يتوقفوا عن تبادل إطلاق النار مع قوات المستعمر لوقت طويل، إلى أن استشهدوا جميعا مع حلول المساء.

وأشار الكاتب خيدر وهاب، إلى أن القوات الاستعمارية، وبعد هجمات 20 أوت 1955، أقدمت يوم 21 أوت، على اعتقالات جماعية طالت سكان سكيكدة العزل، انتقامًا منهم، حيث جرى تجميعهم في ملعب "كيثولي"، المعروف حاليًا باسم ملعب "8 ماي"، بمحاذاة المركز الثقافي "عيسات إيدير"، حيث ظلوا محتجزين لمدة ثمانية أيام كاملة، دون طعام أو شراب، فضلا عن إقدام الجنود الفرنسيين بين الحين والآخر، على إعدام أحد المعتقلين رميا بالرصاص.

20 أوت 1955.. موعد حاسم في مسيرة الثورة التحريرية

من جهته، أكد الأستاذ توفيق صالحي، أستاذ التاريخ بجامعة سكيكدة، أن المنطقة الثانية، بقيادة مهندس هجمات الشمال القسنطيني زيغود يوسف، كانت على موعد حاسم في مسيرة الثورة التحريرية، تجسيدا للقرارات التي اتفق عليها قادة المنطقة خلال مؤتمر الزمان، المنعقد في الأسبوع الأخير من شهر جويلية 1955، بأعالي بلدية بوشطاطة.

وأوضح المتحدث أن الهجمات التاريخية التي شهدتها مختلف مناطق الشمال القسنطيني، على غرار سكيكدة، قالمة، وادي الزناتي، الحروش، عزابة، القل والميلية، حققت معظم أهدافها. وقد لخص المكتسبات الثورية التي أفرزتها هجمات 20 أوت 1955، رغم المجازر المرتكبة من طرف الاستعمار، والتي تجاوزت 12 ألف شهيد، في جملة من النقاط أبرزها: دحض الدعاية الفرنسية التي حاولت عزل الثورة عن الجماهير الشعبية، حيث أثبتت الهجمات أن الشعب هو من يقود الثورة. وكذا رفع الضغط المفروض على بعض مناطق الشمال القسنطيني. بالإضافة إلى إبراز الطابع الشعبي للثورة الجزائرية، وجذب انتباه الرأي العام العالمي إلى القضية الجزائرية العادلة.

هكذا، ورغم فداحة التضحيات، شكلت هجمات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني، منعطفا تاريخيا، رسخ ارتباط الجزائريين بالثورة التحريرية، ورغبتهم في التحرر من الاستعمار الغاشم.