الملتقى الوطني حول أسس ثقافة الذوق
الفلسفة وعلوم الإنسان في مواجهة عصر التفاهة

- 985

تنظم وحدة البحث علوم الإنسان للدراسات الفلسفية، الاجتماعية والإنسانية بكلية العلوم الاجتماعية، قسم الفلسفة التابع لجامعة وهران 2 محمد بن أحمد، ملتقى وطنيا حضوريا وعن بعد، عنوانه "أسس ثقافة الذوق، الفلسفة وعلوم الإنسان في مواجهة عصر التفاهة"، يوم 9 فيفري 2025.
وفقا لديباجة الملتقى المنشورة في الموقع الإلكتروني لوحدة البحث في علوم الإنسان للدراسات الفلسفية، الاجتماعية والإنسانية، فإنه لم يسبق للبشرية أن مرت بمرحلة كالتي تعيشها والتي يسيطر فيها التافهون في مختلف مجالات الحياة والمجتمعات والدول؛ حيث يلاحَظ تصاعد معايير الرداءة والانحطاط، واستبعاد أصحاب التحديات الحقيقية للرقيّ بالحياة في مختلف المستويات، وقتل الإبداع، والتخلص من أهل المهام والرسائل النبيلة، فصار العالم مجرّد سوق للبيع والشراء الشعبَويين، باسم الحرية.
إن ما يحدث في تبجيل التافه هو الانشغال عن الجوهر بالعرض، وتسهيلٌ لانتشار أسباب المرض والانفصام بها في عالم الفَرَض، وعزلٌ لإعمال العقل في الواقع بتوسيع تأثير السفاهة في المواقع. التافهون لديهم القدرة على المناورة للوصول إلى مناصب مهمة: وهذا من أسباب عزوف العقلاء وذوي القدرات في تسيير دواليب السياسة مثلا. ومن منطلق أن الطبيعة لا تحتمل الفراغ، فسيقوم تافه ما بشَغْر أي منصب يتنازل النزهاء عنه.
من هم التافهون؟ أولئك الذين يساهمون في نشر الانحطاط المعياري، وتدهور المستويات عبر مختلف مجالاتها، وتهميش منظومات القيم، وتغييب الأداء الرفيع... هؤلاء هم السائدون بسذاجة تفكيرهم؛ خدمةً لأغراض السّوق، الذي لا يعترف بالنوع والكيف. إنهم سلعٌ للاستهلاك المؤقت؛ إذ يستحيل أن يشكّلوا رؤوس أموال رمزية، وثروات خالدة، يشاركون في القضاء على الحريات الفردية، والعقول الحرة، وهذا ما حذّر منه مونتيسكيو بصدد حماية الحرّيات من بلوغ مستوى "الابتذال"، وهم الذين لا يحترمون معايير الذوق والثقافة والفنون، ليتشكّل مع هذه الصيرورة ما يسمى سَوادُ التفاهَة وحكمها médiocratie، فتصير معها جملة الممارسات التي هي دون المستوى الجيد في التفكير والممارسة وتحكم الفترة الزمنية والناس فيها، وهو ما يتوافق مع المعنى الاشتقاقي لكلمة médiocrité. إنها سيادة مَن هم دون المستوى المطلوب في كل شيء. ومن هنا تنبثق مهمة الفلسفة في مواجهة هذا الواقع المأزوم؛ إذ يَسند لها جيل دولوز مهمة المواجهة والمقاومة؛ بحيث يرى أن "غياب الفلسفة يعني وجود الغباء في أعلى مستوياته... إن مهمة الفلسفة هي مقاومة الغباء". الفلسفة بما هي نظام من القيم والمواقف التي تعمل على نشر الذوق والتثقيف وسيادة العقل وجملة القيم التي تؤدي إلى التطعيم ضد كل ما هو منحط، هي بمثابة تسامٍ وترفّع عن حالة التردي التي صارت منتشرة أيما انتشار. وهنا يبدو جليا "نظام الفلسفة" ؛ باعتباره منظومة أسس الثقافة السليمة، ومنهجية التفكير السديدة التي تواجه "منظومة التفاهة" المُؤدية بكل ثقافة إلى الحضيض.
ويتعلق الأمر في هذه المنظومة، بتعطيل التفكير النقدي، وتثبيط قيم الإبداع والمبادرة الحسنة، والدفع إلى الاندماج في "القطيع" المتمثل في سيادة "نظام التفاهة". فالسائد روتين يقضي على كل مساهمة ذوقية أو مبادرة عقلية أو مواجهة نقدية، إذ يُغشَّى على أعين الناس بنوع من البهجة الزائفة، واللذة المؤقتة بمختلف أنواع المناظير والمشاهد التي تمارس تنويما مغناطيسيا على ملكات الفكر والذكر وتضع قيم الإبداع في علبة سوداء مظلمة في عالم منسيّ، يكاد يستحيل معها الخروج من العجز الفكري، واتخاذ القرار بالتخلص من سلطة "القصور الذاتي".
إن الخضوع لسلطة السائد يعدم معالم التميز. وفي البحث عن التميز يحدث التيه.
هل أصبحت التفاهة معيارا للنجاح الواقعي والبراغماتي؟ ما الذي يجعل السفهاء يقودون المجتمع نحو عالم الظلمات؟ هل صارت التفاهة ضرورية إلى الحد الذي ينعدم معه كل تفكير بالتريّث والعقلنة، وكبح الجماح عن إطلاق العنان لفساد الذوق؟ أم أن اللجوء إلى مظاهر التفاهة هو نوع من التعبير عن التحرر والتخلص من قيم بالية ثابتة أكل الدهر عليها وشرب، فيصير التافه موقفا إنسانيا، يبتغي تحرر الفرد، ويعبّر عنه ليكون نوعا من العقلانية الجديدة؟ فهل يمكن الحكم على التفاهة وفقا للثنائية الكلاسيكية: خير/شر، صحيح/خاطئ...أم أنها تعبّر عن جوهر هذا الزمان وهذا العصر، وينبغي الثناء عليها مثلما يحدث مع "مديح الكسل" لبرتراند راسل، أو "تقريظ الغباء" لـ ماري بيرن، الذي رغم أنه منبوذ في جوهره إلا أنه ضروري في بعض الأحيان؟ وهل الولوج إلى التافه تعبير عن استراحة للعقل، سرعان ما ينبغي الاستفاقة منها، أم أنها نوع من خطة "الجهل الجديد" لتعميق مشكلات الثقافة المحلية والعالمية؟.
وفقا لديباجة الملتقى المنشورة في الموقع الإلكتروني لوحدة البحث في علوم الإنسان للدراسات الفلسفية، الاجتماعية والإنسانية، فإنه لم يسبق للبشرية أن مرت بمرحلة كالتي تعيشها والتي يسيطر فيها التافهون في مختلف مجالات الحياة والمجتمعات والدول؛ حيث يلاحَظ تصاعد معايير الرداءة والانحطاط، واستبعاد أصحاب التحديات الحقيقية للرقيّ بالحياة في مختلف المستويات، وقتل الإبداع، والتخلص من أهل المهام والرسائل النبيلة، فصار العالم مجرّد سوق للبيع والشراء الشعبَويين، باسم الحرية.
إن ما يحدث في تبجيل التافه هو الانشغال عن الجوهر بالعرض، وتسهيلٌ لانتشار أسباب المرض والانفصام بها في عالم الفَرَض، وعزلٌ لإعمال العقل في الواقع بتوسيع تأثير السفاهة في المواقع. التافهون لديهم القدرة على المناورة للوصول إلى مناصب مهمة: وهذا من أسباب عزوف العقلاء وذوي القدرات في تسيير دواليب السياسة مثلا. ومن منطلق أن الطبيعة لا تحتمل الفراغ، فسيقوم تافه ما بشَغْر أي منصب يتنازل النزهاء عنه.
من هم التافهون؟ أولئك الذين يساهمون في نشر الانحطاط المعياري، وتدهور المستويات عبر مختلف مجالاتها، وتهميش منظومات القيم، وتغييب الأداء الرفيع... هؤلاء هم السائدون بسذاجة تفكيرهم؛ خدمةً لأغراض السّوق، الذي لا يعترف بالنوع والكيف. إنهم سلعٌ للاستهلاك المؤقت؛ إذ يستحيل أن يشكّلوا رؤوس أموال رمزية، وثروات خالدة، يشاركون في القضاء على الحريات الفردية، والعقول الحرة، وهذا ما حذّر منه مونتيسكيو بصدد حماية الحرّيات من بلوغ مستوى "الابتذال"، وهم الذين لا يحترمون معايير الذوق والثقافة والفنون، ليتشكّل مع هذه الصيرورة ما يسمى سَوادُ التفاهَة وحكمها médiocratie، فتصير معها جملة الممارسات التي هي دون المستوى الجيد في التفكير والممارسة وتحكم الفترة الزمنية والناس فيها، وهو ما يتوافق مع المعنى الاشتقاقي لكلمة médiocrité. إنها سيادة مَن هم دون المستوى المطلوب في كل شيء. ومن هنا تنبثق مهمة الفلسفة في مواجهة هذا الواقع المأزوم؛ إذ يَسند لها جيل دولوز مهمة المواجهة والمقاومة؛ بحيث يرى أن "غياب الفلسفة يعني وجود الغباء في أعلى مستوياته... إن مهمة الفلسفة هي مقاومة الغباء". الفلسفة بما هي نظام من القيم والمواقف التي تعمل على نشر الذوق والتثقيف وسيادة العقل وجملة القيم التي تؤدي إلى التطعيم ضد كل ما هو منحط، هي بمثابة تسامٍ وترفّع عن حالة التردي التي صارت منتشرة أيما انتشار. وهنا يبدو جليا "نظام الفلسفة" ؛ باعتباره منظومة أسس الثقافة السليمة، ومنهجية التفكير السديدة التي تواجه "منظومة التفاهة" المُؤدية بكل ثقافة إلى الحضيض.
ويتعلق الأمر في هذه المنظومة، بتعطيل التفكير النقدي، وتثبيط قيم الإبداع والمبادرة الحسنة، والدفع إلى الاندماج في "القطيع" المتمثل في سيادة "نظام التفاهة". فالسائد روتين يقضي على كل مساهمة ذوقية أو مبادرة عقلية أو مواجهة نقدية، إذ يُغشَّى على أعين الناس بنوع من البهجة الزائفة، واللذة المؤقتة بمختلف أنواع المناظير والمشاهد التي تمارس تنويما مغناطيسيا على ملكات الفكر والذكر وتضع قيم الإبداع في علبة سوداء مظلمة في عالم منسيّ، يكاد يستحيل معها الخروج من العجز الفكري، واتخاذ القرار بالتخلص من سلطة "القصور الذاتي".
إن الخضوع لسلطة السائد يعدم معالم التميز. وفي البحث عن التميز يحدث التيه.
هل أصبحت التفاهة معيارا للنجاح الواقعي والبراغماتي؟ ما الذي يجعل السفهاء يقودون المجتمع نحو عالم الظلمات؟ هل صارت التفاهة ضرورية إلى الحد الذي ينعدم معه كل تفكير بالتريّث والعقلنة، وكبح الجماح عن إطلاق العنان لفساد الذوق؟ أم أن اللجوء إلى مظاهر التفاهة هو نوع من التعبير عن التحرر والتخلص من قيم بالية ثابتة أكل الدهر عليها وشرب، فيصير التافه موقفا إنسانيا، يبتغي تحرر الفرد، ويعبّر عنه ليكون نوعا من العقلانية الجديدة؟ فهل يمكن الحكم على التفاهة وفقا للثنائية الكلاسيكية: خير/شر، صحيح/خاطئ...أم أنها تعبّر عن جوهر هذا الزمان وهذا العصر، وينبغي الثناء عليها مثلما يحدث مع "مديح الكسل" لبرتراند راسل، أو "تقريظ الغباء" لـ ماري بيرن، الذي رغم أنه منبوذ في جوهره إلا أنه ضروري في بعض الأحيان؟ وهل الولوج إلى التافه تعبير عن استراحة للعقل، سرعان ما ينبغي الاستفاقة منها، أم أنها نوع من خطة "الجهل الجديد" لتعميق مشكلات الثقافة المحلية والعالمية؟.