أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية

الصوت الصادح بالفن والثورة والالتزام

الصوت الصادح بالفن والثورة والالتزام
  • القراءات: 735 مرات
م. م م. م

تعد المطربة الراحلة وردة الجزائرية (1939-2012)، من أيقونات الفن العربي ورموزه المضيئة بلا منازع، وقيمة فنية نادرة لا تتكرر، حيث شكلت تجربتها الفنية الممتدة على مدار أكثر من 60 عاما، مسارا إبداعيا يشع بالفن الأصيل والإبداع المتجدد والنضال من أجل بلادها الجزائر.

يشكل مسار أميرة الطرب العربي، برصيدها الذي يتجاوز 300 أغنية، علامة بارزة في مسار الفن العربي الأصيل، حيث بدأت الغناء وهي صغيرة، في خمسينيات القرن الماضي، عبر مؤسسة فنية كان يملكها والدها في باريس بفرنسا، حيث أدت أول أغنية وطنية لها بعنوان "كلنا جميلة"، نهاية الخمسينيات، مجدت فيها المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد. وشاركت أيضا الفنانة الراحلة بمصر في بداية الستينيات في أوبيرات "الوطن الأكبر"، التي لحنها محمد عبد الوهاب، وشاركت فيها مجموعة من ألمع نجوم العالم العربي آنذاك، حيث غنت فيها للثورة الجزائرية، ومنذ ذلك الوقت، صار يطلق عليها لقب "الجزائرية"، لتنطلق معها موهبتها الفذة باتجاه آفاق جديدة.

كان عام 1960، على موعد أيضا مع أغنية وطنية أخرى لوردة الجزائرية، أهدتها لكفاح الجزائر، وهي أغنية "نداء الضمير" التي ألفها الشاعر الجزائري صالح خرفي ولحنها الموسيقار المصري رياض السنباطي، حيث أدتها بمناسبة الذكرى السادسة لاندلاع الثورة التحريرية، مستبشرة فيها بالنصر والتحرر.

لقد نذرت وردة الجزائرية، التي تحل هذه السنة ذكرى وفاتها 11، فنها لوطنها منذ نعومة أظافرها، فعملت على إسماع صوت الثورة الجزائرية عاليا، ودعمها بفنها وبما كانت تخصصه أيضا من إعانات مادية لمكاتب الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وهو ما عكس التزامها ونضالها الميداني وارتباطها بوطنها الأم.

ولدت وردة الجزائرية، واسمها الحقيقي وردة فتوكي، في فرنسا عام 1939، لأب جزائري ينحدر من مدينة سوق أهراس، وأم لبنانية، وفي عام 1972، شاركت، بدعوة من الرئيس الراحل هواري بومدين، في احتفالات إحياء الذكرى 10 لاستقلال الجزائر، حيث أدت أغنية "من بعيد" (أدعوك يا أملي) التي ألفها صالح خرفي، ولحنها الموسيقار المصري بليغ حمدي، تخليدا لذكرى شهداء ثورة نوفمبر، وقد شكلت عودتها إلى وطنها، بعد غياب طويل، لحظات جد مؤثرة.

لقد عرفت فقيدة الطرب العربي بأدائها لروائع أخرى، أبرزت نضال ومقاومة الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي، من بينها أيضا "عيد الكرامة"، بمناسبة الذكرى 20 للاستقلال، ورائعة "بلادي أحبك" لشاعر الثورة الجزائرية الراحل مفدي زكريا، وهي الأغنية التي نالت شهرة كبيرة وأدتها وردة في عدة أعياد وطنية.

كما اشتهرت وردة، التي تعد رمزا للأغنية العربية، بالعديد من الأغاني العاطفية التي ألفتها ولحنتها أسماء فنية بارزة للأغنية الشرقية، كمحمد الموجي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وسيد مكاوي، وأيضا بليغ حمدي الذي كان زوجا لها خلال فترة معينة، وأبدعت معه أعمالا خالدة. غير أن النقلة النوعية في مسار هذه الفنانة المبدعة، كانت مع أغنية "أوقاتي بتحلو" (1979) التي ألفها الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب ولحنها مواطنه سيد مكاوي، حيث أدتها بدل الفنانة المصرية أم كلثوم، فكان أداؤها مبهرا، وهو ما زاد من شهرتها.

لقد كان أيضا لهذه الفنانة الموهوبة تجربة متميزة في السينما، حيث شاركت في أعمال بارزة شكلت العصر الذهبي للسينما المصرية، من قبيل "ألمظ وعبدو الحامولي" (1962) و«أميرة العرب" (1963) و«حكايتي مع الزمان" (1974) وكذا "صوت الحب" (1973) و«آه يا ليل يا زمن" (1977) و«ليه يا دنيا" (1994)، إلى جانب كبار الممثلين المصريين. كما شاركت في عدد من المسلسلات التلفزيونية، على غرار "الوادي الكبير" (1975) و«أوراق الورد" (1979) وكذا "آن الأوان" (2006).

وشكلت فترة التسعينيات، مرحلة بارزة في تاريخ الفنانة وفي تاريخ الفن العربي بشكل عام، حيث خاضت تجربة جديدة في عالم الأغنية القصيرة، وتمكنت سريعا من فرض بصمتها ووجودها رفقة جيل آخر من الفنانين، جيل المطربين الشباب، فأبدعت في روائع من قبيل "في يوم وليلة" و«حرمت أحبك" و«بتونس بيك" و«نار الغيرة" و«الغربة" و«يا خسارة" و«بلاش تفارق" و«العيون السود" و«الفراق" و«اللي ضاع من عمري"، وهي روائع فنية خالدة.

لقد استطاعت الفنانة الراحلة بإبداعها وتاريخها الفني الطويل، من تكوين شخصية متفردة في عالم الطرب، فبصوتها المتدفق وإحساسها القوي وحضورها الفني الطاغي، تمكنت من تملك قلوب الملايين من المحبين في العالم العربي وخارجه، وأن تسجل نفسها بذلك في تاريخ الفن العربي، وبأحرف من ذهب. هذا التميز الكبير، خصوصا في زمن العمالقة، جعل وردة، التي وافتها المنية في 17 ماي 2012 بالعاصمة المصرية القاهرة، عن عمر يناهز 72 عاما، واحدة من ألمع نجوم الفن في تاريخ الموسيقى العربية، إلى جانب أم كلثوم واللبنانية فيروز، وكانت رائعة "أيام" (2013) آخر ما أدت الفنانة. ووري الثرى جثمان الفنانة الراحلة وردة الجزائرية يوم 19 ماي 2012 بمقبرة العالية في الجزائر العاصمة.