لعبد المالك قرين
"الربيع العربي، سماء لا تمطر وأرض لا تزهر"

- 768

صدر لعبد المالك قرين، مصنف جديد بعنوان "الربيع العربي، سماء لا تمطر وأرض لا تزهر"،ضمّنه مقالات في السياسة والثقافة والاجتماع والحياة عموما، وتزامن توقيت كتابتها مع ما سمي بـ"الربيع العربي"، غلب عليها الطابع السياسي بالدرجة الأولى نتيجة الحراك الذي شهدته المنطقة العربية. المؤلف لم يُخف تحفّظه من هذا التحول الذي زاد المنطقة غرقا في الطين. يرى المؤلف أنه من الذين كانوا يرون أن الذي يحدث ليس ربيعا ولا يمكنه أن يكون كذلك، ولا يمكن أيضا أن يكون ثورة بمفهومها التغييري الذي يمس جميع المنظومات، وأولها الفكرية؛ لأن الثورة لا تعني التدمير وجلد الذات والانتقام والثأر، الأمر الذي خلق أجواء مشحونة زادت من درجة التطاحن والرغبة في التصفية والإقصاء، ولم يقتصر الأمر على مستوى الأفراد ولكنه تجاوز ذلك إلى أمور خطيرة كانت الحرب الأهلية أبرز سماتها، وتفرعت عنها حروب طائفية وأخرى عرقية ومذهبية خطيرة.المقالات المنشورة في الكتاب ذات أسلوب صحفي، تحمل فنيات الكتابة الصحفية الملتزمة بالحدث ووحدة الموضوع. وقد نُشرت لمدة 3 سنوات تحت عنوان "وجهة نظر" على شكل عمود يومي بجريدة "الحوار"، وحينها كان المؤلف مدير النشر فيها.
أشار الكاتب إلى أنه من لطف الله بالشعب الجزائري أن تجتاح موجة هذا الربيع المزعوم وهو محصَّن بالتجربة التي أكسبته من المناعة وحالت دون الوقوع في فخاخ الذين دبّروا ووجدوا من ينقذ مؤامراتهم التي صارت واضحة للعيان ولا يغفل عنها إلا من فقد البصر والبصيرة. ثم يقول الكاتب: "ها هي سوريا الحضارة، قلعة الأمويين الشامخة تدكّ حصونها بأيدي أبنائها، وتصبح مسرحا للنزاع الدولي وساحة لتصفية الحسابات وتجاذب المصالح، وميدانا لحرب الأمبريالية الجديدة، إنها فعلا الفتنة الكبرى". يرى الكاتب أن الجهاد الذي أفتت به أمريكا في أفغانستان آنذاك ضد المد الشيوعي وما جنّدت له من مسلمين لإنهاء المعسكر الشرقي وما ترتّب عنه من أحادية القوة المهيمنة، هو الآن يصاغ بتشكيل جديد وأخطر بكثير، وعلى اعتبار الأهداف المسطرة. إن القضاء على حكم بشار الأسد يعني القضاء على آخر قلعة ممانعة بعدما حدث في العراق، وهو ما يجعل من إسرائيل آمنة تسيطر على المنطقة بواسطة الحكام الجدد أصدقاء أمريكا. من بين الأهداف المسطرة هناك أيضا القضاء على المتطرفين الإسلاميين، والذي يعني ضمان استقرار مصالح الغرب في العالم، والذي يعاد تشكيله وفق الخارطة المقبلة، ويخطىء من يظن أن روسيا خارج هذا التشكيل الجديد.
هناك أيضا مخطط إشعال نار الفتنة بين السنّة والشيعة، وهو الأمر الذي يجعل من العرب خاصة في مواجهة الفرس وعلى أساس ديني؛ لأنه سيوكل إلى بعض العلماء مهمة إحياء الديانة الفارسية القديمة، و«سنسمع في القادم من الأيام عن عبدة النار والطين وعن الحركات الدينية القديمة، التي يجب على أهل السنّة التصدي لها؛ لأنها أخطر من اليهود والنصارى، هكذا سيقولون لنا، وهو حكم الدين في رأيهم لا يجادل فيه إلا صابئ أو مرتد، وسيصبح باب الجنة مفتوحا فقط لمن يجاهد إيران وحزب الله؛ لأنهما الخطر الداهم على الإسلام والمسلمين". يتضمن الكتاب مقالا عن "تركيا... في انتظار القادم"، ويسرد فيه الدكتور قرين كيف تتحدث فيه تركيا عن المؤامرة، وهي العبارة التي رددها أردوغان بعد أن رفض الأتراك في إسطنبول تحويل ما بقي من مدينتهم، إلى ثكنات عسكرية.تركيا التي انخرطت بقوة في تأجيج الحراك العربي وفي ثورة الشعوب العربية ضد حكامها، وفي القيام بدور المصدّر للديمقراطية والتبشير بأنظمة تكون على نمط نظامها الديمقراطي "الراشد"، تركيا التي تنسّق مع قطر لاستبدال الأنظمة العربية بأنظمة إخوانية، تركيا التي تؤيدها الدول الأوروبية والولايات المتحدة في القيام بهذا الدور. تركيا حليفة الولايات المتحدة يبدو أنها فشلت في إدارة الأزمة السورية، بل يبدو أن الأوضاع تنقلب ضدها، لقد أشارت وكالة الأنباء التركية إلى أن وجود السلاح النووي الأمريكي في تركيا يعود سببه إلى مصالح واشنطن، وهو دليل على التنسيق الكلي بين تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة.
لكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تعد راضية عن دور أردوغان، حسبما أكد الكاتب التركي مصطفى سونمار، وبالتالي قد تتراجع رغبة أردوغان في أن يكون زعيما للمنطقة بعدما أخرج من اللعبة، وكذلك الحال بالنسبة للأوضاع الخطيرة التي عاشتها باقي دول الربيع العربي.تناول الكاتب أيضا الشؤون الداخلية الجزائرية من معارضة وموالاة ومن تحولات ومن تعديل للدستور، الذي هو نقلة أخرى نحو التغيير بعدما توفرت كل الظروف لذلك وزالت كل العوائق ولم يعد هناك مكان للأصوات التي ترقص على نفس الإيقاع ولا تتمايل لنفس النغم، وبالتالي أصبح محتواها فارغا، وخطابها معزولا بعيدا عن الطرح البديل المؤثر. ويضيف الكاتب: "إن الجزائر ومهما كانت من مؤشرات الاستمرار الذي أثقل المجتمع ومنعه من التحرك في سبيل التطور والتقدم والإقلاع الحقيقي، هذا الاستمرار أيضا كانت له من الإيجابية الكبيرة؛ حيث كان سدا منيعا أمام الفوضى و«التخلاط" الذي ميّز معظم الدول العربية؛ مما أدى ببعضها إلى الانشطار إلى خيبة الانتظار". للتذكير، فإن الكاتب من مواليد المسيلة، نال شهادة الدكتوراه في مجال الشعر، وهو برلماني سابق، وكان رئيس لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية بالمجلس الشعبي الوطني.