ندوة بين "الذّاكرة والآلة معركة شارلكان" بالمتحف البحري
الذّكاء الاصطناعي يتطلّب الحذر في الاستغلال والمرافقة

- 249

نظّم المتحف العمومي الوطني البحري، أول أمس، ندوة عن "الذّكاء الاصطناعي والتراث البحري: من خلال عرض بعنوان بين الذّاكرة والآلة معركة شارلكان"، حيث تم تقديم تجربة هذه المؤسسة المتحفية في تصور التراث البحري باستعمال الذّكاء الاصطناعي .
سردت راضية شرفاوي، رئيسة مصلحة جرد المجموعات المتحفية في تدخلها تاريخ حملة شارلكان الشهيرة على الجزائر في القرن الـ15 م، والتي كانت حينها حملة صليبية بامتياز مباركة البابا)، وقالت المحاضرة، إن الحشد للحملة كان في سنة 1541، حيث جمع الجنود لدعم الجيش زيادة على حشد فئة النّبلاء من الدول الأوروبية وقد بلغ جيش النّبلاء 1100 فارس كما أرسل البابا يوحنا الثالث حفيده كورونا للقتال مع 140 من المشاة وألفي فارس وغيرها من العدة والعتاد التي لا تكون إلى في الحروب المقدسة الكبرى وهو دليل على عظمة الجزائر وقوتها حينها وكل ذلك موثق ـ حسب المحاضرة ـ في المخطوطات المصورة التي استعرضتها عبر شاشة العرض أمام الحضور بعضها مأخوذ من الأرشيف العسكري بمدريد.
من العتاد أيضا كانت هناك 450 سفينة ضخمة و65 أخرى حربية مع 12 ألف بحار وكان القائد الروحي شارلكان، أما القائد العسكري فكان فرناندو كورتيز الذي تكفل بعدها بشن الحروب في أمريكا الجنوبية.
حملة صليبية مقدسة لتحطيم الجزائر العظمى نتيجة هدا التحضير اعتقد الغزاة أنهم منتصرون لا محالة فقاموا بالتخطيط أيضا للاحتفالات حين سقوط الجزائر، وحين قدومهم لسواحل الجزائر العاصمة بدت جيوشهم كالسحاب من فرط ضخامتها وهددوا خير الدين بربروس، الذي كان حينها في المجر للحرب مع سليمان القانوني، لكنه كان مؤمنا بأن الجزائر ستنتصر بفضل الله، وهنا أشارت المتحدثة، إلى أن الأرشيف يبرز نوع اللباس حينها وعتاد الجنود الإسبان وخصوصيات هذه الأرمدة ذات سلاح الأرتاندو الإسباني كما كان يسمى.
علما أن المدافع كانت من تصميم الألماني كاردانا، وبعد استعراضها لجانب العدو، تناولت المحاضرة شرفاوي الجانب الجزائري حينها مع حسن الآغا الذي كان في الموعد حيث عزّز الحماية بتعزيز الأسوار والحصون وحشد القوات التركية والمحلية والأندلسية وحثها على الجهاد، فيما كانت القيادة الروحية للإمام سيدي السعيد الشريف شريف، مع شخصيات دينية أخرى منها الوالي خوجة والوالي دادا ومرصاني وبلحنتير وبولكباش.
كما جاء في الأرشيف الفرنسي أن الجزائر استعدت للتحدّي بـ800 جندي تركي و5 آلاف جزائري مدرب ومتطوع وعدة مدافع عبر العاصمة كباب الوادي، وبالمسجد الكبير وباب عزون وغيرها، مؤكدة أن الجزائر كانت تعتمد على الحروب غير النظامية عكس أوروبا واستطاعت دحر أسطول العدو الضخم، وهنا قدمت المحاضرة أرشيف مدرسة السليمانية بتركيا الذي فصل في المعركة، ليرجع الأسطول الإسباني خائبا بعد 20 يوما ثم طلب التفاوض مع الآغا، مع اعتماد أسلوب الاستعراض عوض الحرب لذلك كان الغزاة يتجولون في سفنهم بين الحراش وتمانفوست حالمين بتخويف الجزائريين لكنهم فشلوا وهربوا.
انتصار الجزائر لم يكن صدفة بل نتيجة التحضير والذّكاء في التخطيط والشجاعة التي اعترف بها شارلكان، وقد قسموا جيشهم إلى فيالق في المقدمة والصدر واعتمدوا على السفن الصغيرة المراوغة مع الضرب المباشر وحطموا في اليوم الأول 20 سفينة إسبانية ضخمة، وفي اليوم الموالي اعتمدوا خطة الكماشة التي تعني محاصرة الأعداء وقتلهم من خلال 3 وحدات عسكرية.
انتحار جماعي على ضفاف وادي الحراش
في الليلة الخامسة هطلت الأمطار والسيول خاصة بوادي الحراش، وانقض الجزائريون على الإسبان لدرجة أن بعض الجنود الأسبان انتحروا ورموا بأنفسهم في وادي الحراش، وكان أهل الجزائر يرددون نحن أبناء الجزائر ولن تفعلوا بنا ما فعلتموه بأهل الأندلس، ليتم في الأخير قصف مخيم شارلكان وإجباره على الهرب ليعلن الهزيمة ويرمي بتاجه في البحر عقابا لنفسه ويموت بعدها بـ5 أشهر بإسبانيا، وبالتالي ارتفعت مكانة الجزائر دوليا وأصبحت قوة عظمى.
التكنولوجيا مرافق وليست بديلا
كما قدم غيلاس عبد الله عيساني، المختص في الإعلام الآلي، عرضا خاصا في مجال تثمين وإعادة تصور التراث البحري ـ معارك ومعالم ـ باستعمال الذكاء الاصطناعي، موضحا أن هذه التكنولوجيا هي شريك ومرافق وليست بديلا والذكاء الاصطناعي أنواع لكل مجال تخصصه، يستغل في الحفظ والتثمين والترميم الرقمي، ناهيك أن استكشافه لما هو موجود من تراث تحت البحر من خلال التنقيب والبحث مع اختصار للجهد والوقت.
ثم استعرض المحاضران معا مشروعهما المتمثل في فيلم مصور عن معركة شارلكان باستغلال الأرشيف. وقد عرضا بعضا من المشاهد للجمهور لإعادة بناء الأحداث بالذكاء الاصطناعي، وخلصا في النهاية إلى أن هذا الذكاء ليس مؤتمنا بشكل كامل فقد يكون هو في حد نفسه أداة للتحريف والوقوع في أخطاء لعدم قدرته على تحويل ما يقدم له من نصوص لمشاهد مرئية فقد يغير شكل الخرائط ويقدم سفنا من القرن الـ21 بدل القرن الـ15، ويعرض الجزائر العاصمة وكأنها مدينة ذات ملامح أوروبية لا علاقة لها بالمحروسة ويعرض الموانئ كما هي اليوم وهكذا.
الذّكاء الاصطناعي خادم غير أمين
قالت السيّدة راضية شرفاوي، إن الجميع منبهر بالذكاء الاصطناعي ولا يدرك مخاطره وأخطاءه القاتلة وبالتالي يجب ـ حسبها ـ التعامل معه بحذر وتمكن، لكنها في ذات الوقت عرضت صورا للذكاء الاصطناعي يقدم مقترحاته لترميم وتهيئة قاعات المتحف البحري الذي هو مشروع مبرمج منذ فترة، وبدورها حملت صور الترميم المقترحة بعض الأخطاء منها مثلا إلغاء بعض الخصوصيات التاريخية في البناء وكذا استعمال الآجر والإسمنت وغيرها. كانت المناقشة التي أعقبت اللقاء طويلة وثرية أشار فيها بعض المتدخلين إلى أن هذه التكنولوجيا قد تشوّه التاريخ إذا لم تكن مراقبة أو تكون مستغلة لخدمة أجندات خارجية مشبوهة متعلقة بالصراعات القائمة والمستقبلية.