الدكتور والمبدع محمد الطاهر عيساني لـ "المساء":
الحركة الإبداعية حين تفقد قيمها تصبح نفخا للريح

- 1518

يعد الدكتور عيساني محمد الطاهر واحدا من الوجوه الأدبية الإبداعية التي بدأت تشقّ طريقها في عالم الكتابة بخطوات ثابتة، فهو قلم متميّز نثرا وشعرا، تسكنه الكتابة الإبداعية إلى حدّ الهوس، له مجموعة شعرية "أسوار المرايا" ستصدر قريبا إلى جانب نصوصه النثرية الأخرى المتميزة والمتفردة، "المساء" التقت به وأجرت معه هذا الحوار.
❊ ماذا يمثّل الشعر بالنسبة لك؟
— الشعر عالم قائم بحد ذاته يستدرجك من حيث لا تدري، حيث معالم لغة وصور وأشكال تتعدى حدود المستحيل، فهو ملاذُ آخر في عالم الإبداع لا يعترف بالقيود ولا بالأغلال التي يتميّز بها النص الإبداعي النثري خاصة، فالجنوح إلى الشعر هو شعور وجداني وعاطفي يحمل القيم الإنسانية النبيلة في أسمى تجلياتها.
❊ أيهما أقرب إليك الكتابة الشعرية أم النثرية؟
— الكتابة أوقات، فهي شيء يشبه التجلي، يجعلك رغما عنك في لحظة مخاض، تركب غيمة تسمو بها وتنهمر معها، قد يكون بخا أو رذاذا أو مدرارا، فالإبداع هو الأقرب والتفاعل مع النص، هو الذي يعطيه نوعه الذي يريد.. صحيح عدد النصوص النثرية التي كتبتها سواء كانت قصة أم قصة قصيرة أم قصة ومضة أو حتى خاطرة هو أكثر غزارة من النصوص الشعرية كـ"احترق لأنني أضيء"، "نهاية ألف ليلة وليلة"، "ملامح وجوانح و"خواطر" (مخطوط) أما "أسوار المرايا" فهي مجموعة شعرية في انتظار الطبع، فإذا سلّمنا بمنطق الكم فالنص النثري أقرب إليَّ من النص الشعري، وإذا سلّمنا بالتفاعل الوجداني الملحّ مع النص الشعري، فأعتقد أنّ هذا الأخير يحمل نكهة المولود الصغير الذي يلزمك بتحمّل مسؤولية الأبوة في شكلها العاطفي، مما يجعله الأقرب والأعز.
❊ لمن تكتب؟
— أنا أولا أكتب للكتابة والنص واللغة والمعنى والمتعة ولذاتي، وحين يتميّز النص ويصل إلى مستوى الأهلية في الاحتفاء، أتركه بين يدي القارئ سواء من خلال المنتديات الأدبية أو المجموعات المتخصصة أو المواقع الأدبية، على غرار "فامو" أو"السرد العربي" أو حتى تواصلاتي من خلال شبكة التواصل الاجتماعي.
❊ هل تكتب القصيدة النثرية أم القصيدة العمودية؟
— أنا أكتب القصيدة في شكلها وهندامها وأناقتها وشذاها، يعني أنّ همي المتعة التي توحيها والوقع الذي تتركه، كما قلت لكم تأتي هكذا في لحظة تجلَي تفعل فعلتهاو ثم تختفي، كبارقة مزاجية الملامح، فالقصيدة تكتبني برغبتها التي تريد فيها اختيار الشهقة والإيقاع والنسق والألوان وببساطة حدّها هي تختار بحرها أو تناثرها .
❊ ماذا يمثّل لك مصطلح الحداثة في الكتابة الإبداعية؟
— الحداثة في الإبداع اصطلاحا تحمل عدة دلالات، منها ما هو فلسفي وما هو إيديولوجي فلسفي، حيث تستقي مرجعياتها من زخم أحداث مختلفة ووقائع لافتة، تبدو معالم متفرّدة يكتبها النص في حيّز ما، أي أنّ الجغرافيا تمثّل معلما لا يمكن تجاوزه بأيّ حال من الأحوال، إذن أعتقد أنّ القضية مرتبطة بإرهاصات وتغيّرات مختلفة الأوجه قد تكون سياسية وثقافية وتقنية أو حتى اقتصادية وحضارية، فكلّها تساهم ـ في رأيي ـ في الولوج إلى عالم الحداثة وما بعد الحداثة.
❊ ألا ترى أنّ النص النثري اليوم، خاصة عند المبدعين الشباب، غلب عليه التزويق اللفظي على المضمون؟
— لا يمكنني الوقوف هنا موقف المتمكّن الذي استكمل كلّ آليات الكتابة والإبداع، كي يكون هنا كالعارف الملم، اعذرني إن أنا أبديت رأيا خاصا وبسيطا كوني من المتتبعين للشأن الإبداعي، فأنا أقرأ يوميا أكثر من عشر نصوص قراءة متأنية ومستمتعة أعيدها وأكرّرها مرات حين يكون النص راقيا ومتفرّدا، ما لاحظته وهو كما أسلفت، مجرّد رأي متواضع أتحمل تبعاته، هو أنّ شريحة الشباب المبدع تجنح كثيرا إلى الذاتية وخاصة إلى المواضيع الغرامية النمطية في أشكال بسيطة، أو يغلب عليها الابتذال والتكلّف أو الضبابية والإبهام المضني، معتمدة على الشكل الباهت أو المضمون العادي، نصوص لا تحمل النبض والروح وما يمكن أن يحمله النص من قسمات البوح الصادق والاحتراق المدهش واللغة الفياضة.
❊ وما مرد ذلك؟
— قد تكون الظاهرة مرتبطة بالتسرّع أو الإفلاس الإبداعي أو نقص الورشات التكوينية أو نقص المقروئية وضيق الأفق في الصورة الفنية والجمالية، والتي تتّخذ جذوتها من روح المبدع، ثم هناك ضيق مساحات الفعل الثقافي والإبداعي على العموم، وندرة المرافقة والمتابعة لمثل هذه البذرات التي لا تلبث حتى تخبو.
❊ كيف تقيّم واقع الحركة الإبداعية بوجه عام في الجزائر؟
— أقول لكم إن أيّ حركية إبداعية لا تملك أسباب بقائها ونموها وانتشارها، سيكون مآلها النكوس والانكماش، صحيح، كما يقولون؛ الأزمة تلد الهمة، ولا يتّسع الأمر إلاّ إذا ضاق، لكن في رأيي العطاء الإبداعي إذا لم يتّخذ شكلا متجذرا حيويا، فإنّه يصبح عابرا ومردودا وينتهي إلى النسيان، ثم ما قيمة الحركة الإبداعية إذا لم تؤسّس مشروعا متكاملا ومستوى يحمل هموم الراهن ويفكّر في تحديات المستقبل؟؟، لهذا أقول إنّ الحركة الإبداعية حين تفقد قيمها تصبح نفخا للريح والغوغائية الإبداعية، حينها تصبح خاوية فارغة المحتوى تصبح آفة اجتماعية، خاصة إذا لم تتناغم مع الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والإعلامي للمجتمع الجزائري.
❊ كيف تنظر إلى واقع الكتابة القصصية والروائية في الجزائر؟
— يبدو لي من الوهلة الأولى أنّ الكتابة القصصية والروائية في الجزائر، جاءت متأخّرة نوعا ما بالمقارنة مع المشرق العربي لظروف معروفة، لكنّني أعتقد جازما أنّ الكتابة القصصية تطوّرت كثيرا في الجزائر ولا بأس أن أقول من باب المهتم بهذا النوع من الإبداع الأدبي، بأنّ القصة القصيرة أصبحت الآن سيدة المشهد، حيث نلاحظ تميّزها وتفرّد خصائصها الفنية والجمالية، واقتربت كثيرا من الاكتمال لدى كتاب كثر، أكيد مع هذه النماذج المتفرّدة نقرأ كذلك نصوصا قشرية الطرح، بسيطة الملامح إذ لم نقل ناقصة لم ترق إلى مستوى النص المكتمل، يعني الكائن الغث والكائن السمين.
❊ إلى ماذا يرجع الاهتمام بالنمط السردي على حساب النمط السردي/الوصفي عند الكثير من المبدعين؟
— القصة تكون عند البعض نصا أدبيا نثريا يصوّر موقفا أو شعورا إنسانيا تصويرا مكثّفا له مغزى، وعند البعض الآخر قد يبدو النص حكاية خيالية لها معنى وممتعة، بحيث تجذب انتباه القارئ وعميقة، بحيث تعبّر عن الطبيعة البشرية، لكنها قد تبدو في الأخير عملا يقدّم فكرة في المقام الأوّل، ثم معلومة ما عن الطبيعة البشرية بحسّ عميق.
❊ ماذا تقول عن أزمة المقروئية في الجزائر؟
— المقروئية ظاهرة اجتماعية عالمية تأخذ زخمها وقوّتها من روح المجتمع حين يكون مستوعبا لقيمتها نهما في تلقفها، فالقضية بذرة تزرعها العائلة والمنظومة التربوية والمجتمع ودور الثقافة والإعلام.. صراحة لا أعتقد أننا نمر بأزمة مقروئية، بل نعاني من هذا الداء منذ مدة، أعتقد أنّ السبب الرئيسي هو الجهل بمتعة القراءة، انعدام التحفيز وتردي القيمة الفكرية للكتاب، لذا يبقى أملي أن تكون هناك سياسة وطنية للكتاب.
❊ هل نحن بحاجة إلى رابطة قلمية مادام أنّ اتحاد الكتاب الجزائريين تحوّل إلى مؤسسة سياسية أكثر منها مؤسسة أدبية؟
— نحن نحتاج إلى أخلاقيات وقيم، بعدها نعمل أكثر بصمت وعمق وفعالية، فالقضية تحتاج إلى مشروع وطني نهضوي يأخذ مصداقيته من المنظومة التربوية ومن روح المشروع الثقافي الوطني المتأصّل ومن القيم ومجموع المرجعيات الثابتة للأمة، يكفي أن نثقّف السياسة حتى نستدرك ما فاتنا.
❊ كيف تنظر إلى الحركة النقدية في الجزائر؟
— هناك هامات أسّست في فترة ما نقدا جزائريا بناء يستعمل المصفاة بطريقة شحذت الإبداع ورفعت من مقامه منذ سنين، انطلاقا من الأستاذ عبد الله التركيبي إلى الأستاذ صالح خرفي، لكن هناك من يساهم قدر المستطاع حاليا في العمل الأكاديمي، أمثال الدكتور السعيد بوطاجين والدكتور يوسف اغليسي والدكتور شريبط محمد شريبط والدكتور مرتاض، لكن يبقى في نظري أنّ الإعلام الثقافي يبقى منفذا ومتنفسا رغم قلته، ومفتاحا سحريا لتنشيط الحركة الأدبية في المستقبل القريب إذا وجد الظروف الملائمة.
❊ متى يكتب الدكتور المخّتص في علم التشريح والأستاذ الجامعي والناشط الجمعوي؟
— أكتب حين يحضرني هوس الكتابة، أكيد خلال ساعات الهزيع الأخير من الليل هي أفضلها.. صحيح لدي نشاطات أخرى من التنشيط الإذاعي إلى الشطرنج، إلى النضال البيئي والنقابي، إلى جانب ما تفضّلتم به، فالسر في هذا يكمن في الجانب التنظيمي للوقت، ولعلمكم أكتفي بـ 5 ساعات من النوم فقط كلّ يوم.
❊ هل من كلمة أخيرة؟
— أشكركم على الاستضافة وتحية خاصة إلى جريدة "المساء" الغراء وإلى القائمين على صفحتها الثقافية.