الدكتور محمد عتبي في محاضرة بمطبعة موقان:

الجمال ضرورة فطرية

الجمال ضرورة فطرية
  • القراءات: 1020
لطيفة داريب لطيفة داريب

«الجمال ضرورة وليس من الكماليات”، جملة ردّدها كثيرا الدكتور محمد عتبي، مدير المكتبة الفلسفية الصوفية، خلال المحاضرة التي نشطها أوّل أمس، بمطبعة ”موقان” (البليدة)، تحت عنوان ”القبح في مواجهة الأناقة، إشكاليات متعلقة باستبطان فكرة الجميل عند الإنسان المفكك”، والتي استنبط أفكارها من كتابه ”في الجمال دعوة إلى جمالية اجتماعية”.

سبح الكاتب والباحث محمد عتبي بالحضور في عالم من الجمال، ذاك العالم الذي ترعرع فيه، ففي بيته العائلي كانت والدته تعشق الغناء وكانت تؤدي أشغال البيت مرددة أغاني عبد الوهاب وغيره، أما والده فكان محبا للفن التشكيلي وللفنون الأخرى، فنشأ عتبي في جوّ من الفن والنظافة أيضا، فكيف له أن يقبل بكل مظاهر القبح التي تعشش في مجتمعنا وتضعنا في حالة من القرف الشديد؟.

لم يذكر عتبي، سبب قرفه من موضوع محدد، دفعه أن يكتب مؤلفه ”في الجمال، دعوة إلى جمالية اجتماعية”، معتمدا في السياق نفسه على ما كتبه المفكران مالك بن نبي وهاربرت ماركوزي، لتكون نتيجة هذه الكتابات والبحث، كتاب ألّفه في نهاية الثمانينات وطبعه في سنة 2014، بعد إلحاح من أصدقائه.

في هذا السياق، اعتبر عتبي أنّ الشعور بالقرف والاشمئزاز من مظاهر القبح، أمر في غاية الإيجابية، بل من الضروريات، فلا يمكن أن لا نشعر بشيء محدد أو حتى بالتجاهل، تجاه ما تعافه النفوس، أبعد من ذلك، فهو يمثل فعلا يهدف إلى الإبقاء على الحياة بدون أدنى مبالغة.  وتحدث عتبي أيضا عن قرف متعلق بالأفكار وآخر مرتبط بالجانب الاجتماعي، مقدما مثالا بالمفكر بن نبي الذي وصف قابلية البعض للاستعمار بالاشمئزاز، علاوة على انتقاده الشديد للمستعمر الفرنسي، مضيفا أنّ بن نبي انتقد المفكر ماسينيون، الذي تخصّص في الحلاج وفي نفس الوقت كان موظّفا في وزارة الداخلية الفرنسية في فترة استعمار فرنسا للجزائر.

وقدّم عتبي مثالا آخر، عن قول الشاعر والصوفي عبد الرحمن بن مجذوب، المتعلق بالمرأة العفنة التي تزيد أسرتها فقرا وعسرا، فمن خلال قلة نظافتها، تسبب الأمراض لأفراد عائلتها خاصة في المناطق الجبلية. أيضا مثال آخر عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان لا يرتدي نعلا ممزقا كيف كان به الحال، كما كان يهتم بشكله الخارجي، وهو نفس أمر الصحابة.

كما أشار عتبي إلى ذاك الإنسان المفكك الذي لا يشكل وحدة متجانسة تبتغي الجمال، بل يحاول التأقلم مع القبح، معاكسا الفطرة، فهو كالسيارة المفككة التي لا يمكن السيران بها إلا بعد تجميع أجزائها.

بالمقابل، تحسر الدكتور من مظاهر قلّة أو حتى انعدام النظافة في مجتمعنا والتي نراها في كل مكان، مؤكدا قيمة الجمال التي تفوق كل قيمة، حتى تلك المتعلقة بالتكنولوجيا والتقنيات، وكذا عن كون الجمال في حد ذاته، أساس كلّ تقدّم، وأنّه يحتل الأولوية في ضرورات الحياة، إضافة إلى كونه عنصرا من عناصر التغيير فيها، فلا ثبات في الحياة، بل إنّ الحركة والتغيير، سمتان أسياسيتان فيها.

في إطار آخر، تطرق الدكتور إلى الآثار الجانبية للجمال، موضحا ذلك من خلال تقديم مثال عن أشخاص يصطنعون المعرفة بالجمال وينتقدون أعمالا فنية في معرض للفن التشكيلي، كما تناول أيضا مسألة الشعور بالقرف أمام كل ما هو غير جميل حتى ولو تعلق ذلك بالشيخوخة أو الإعاقة، في حين رفض من يدّعي الفن ويستنجد بأمور مقرفة لوضعها في أعماله ”الفنية”، حيث وصل ببعض ”الفنانين” إلى وضع أوساخ في معارضهم بحجة العصرنة وهو ما يرفضه عتبي تماما.