أبرز الفنَّ الجزائري بطرق معاصرة

التشكيلي والخطاط الطيب العيدي يترجّل

التشكيلي والخطاط الطيب العيدي يترجّل
  • 1661
نوال جاوت نوال جاوت

تَرجّل الفنان التشكيلي والخطاط الطيب العيدي عن عمر ناهز 51 عاما، أول أمس الخميس، بعد مسيرة فنية متميزة، حيث عُرف عنه أنه لا يمل من التجريب، ويخوض تجارب فريدة من نوعها وجريئة في آن واحد، تقوم على المزج بين الرسم بالضوء والحروفية.

الفقيد الذي رأى النور في 3 أفريل 1971 بوادي مرة بمدينة آفلو (ولاية الأغواط)، تمكن بفضل إنجازاته العظيمة في مجال الفن، من أن يمضي قدما إلى الأمام في سيبل النهوض بالفن التشكيلي الجزائري المعاصر، ويبرز الصورة المثالية له. كما أحدث تقنية جديدة، وهي دمج الفن التشكيلي بفن الحروفيات، ليشكل طابعا فنيا ذا أبعاد جمالية عالية. لم يُعرف بانتماء محدد لأسلوب معيّن، بل تجده، تارة، يعمل بقوانين التجريد، وتارة أخرى، واقعيا. كما تجده يرسم، أحيانا، صورا خيالية أقرب إلى السريالية، وأخرى تعبيرية، فيها أشخاص بتجريد سهل ومقروء، معتمدا على خبرته، وما يملك من موروث محلي يعيشه.وسبق للراحل أن أكد في أحد حواراته الصحفية، سعيه الدائم لتمثيل الجزائر، وتاريخها وموروثها الفكري والحضاري. وقال: "بقيتُ سنوات وأنا أبحث عن طريق أو مكانة وسط ما هو موجود على الساحة، وكنت أطمع أن أترك أثرا ولو كان صغيرا في تاريخ بلدي الفني، فتذكرت بداياتي الأولى لما لفت انتباهي، وأنا في الكُتاب، تلك الطريقة البديعة التي كان الشيخ يخُطُّ بها على ألواح تلاميذه، وكانت طريقته تلك تسلبُ عقلي الصغير، ولشد ما كانت دهشتي، عندما وصل أحد الحُفاظ إلى ختم حزب من القرآن، بدأ يرسم الحروف في أشكال تشبه ما أراه في الزرابي، وما أراه في وشم جدتي التي أحبُّها. كانت أحاسيس مختلفة تختلج في عقلي وقلبي الصغير". وتابع: "كل هذا تذكرته فجأة، وقررت أن أبدأ من جديد. تحذوني رؤيا أكاديمية علمية، وهي إبراز هذا الفن البديع بطرق معاصرة، كان فيها الحرف المغاربي أول أدواتي نحو الحروفية"، موضحا أن الحروفية بالنسبة لتاريخ الفن، هي فن حديث، يمزج بين المعارف التشكيلية العالمية والحرف العربي، وفيه يُفرغ الفنان كل معارفه السابقة.

وتخرّج الطيب العيدي من المعهد التكنولوجي للتربية بالمدية في 1992. واشتغل كأستاذ للتربية الفنية إلى غاية 1998، لينقطع بعدها، ويتفرغ للنشاط في ورشته الخاصة بدار الثقافة "عبد الله بن كريو" بالأغواط.

وحسب المهتمين بالفن التشكيلي، فالمتمعن والمتلقي للإنتاج الفني الذي ينتجه الفنان الطيب العيدي، يجد نفسه أمام محورين مهمين، الأول تجسيد الواقع العياني بشكل آخر، تتجلى من خلاله رؤية وعين ذكية تبصر وتلتقط من الواقع والمفردات والأماكن، ما لا يمكن أن يلتقطها غيره، فرؤيته الجمالية تتميز بالذاتية والانفراد، إذ تنطلق، أولا، من ارتباطه بمحيطه وأرضه التي عاش عليها، وما يتخلل هذه البيئة من مشاهد تراثية واجتماعية، ترصد هذه المشاهد عبر المدركات الحسية له، في قالب جمالي خاص ينهل من الواقع الجزائري، ويحاكيه محاكاة فريدة بأسلوب فني ينفرد فيه الفنان لشخصه.

وللفنان خطاب بصري أقرب إلى الاتجاه السريالي، الذي يحمل من الدلالات والرموز الشيء الكثير، وفق تروع الفنان ومحمولاته النقية. ويبدو هذا الخطاب حلميا في أعماله الفنية التي تحمل من التغييرات والمعاني ما يثبت رؤية إستيطيقية، ملتزمة التزاما فعليا بالذات المبدعة للفنان، التي من خلالها يصرح ويعالج الواقع بتراكيب مختلفة، مختزلة من مخيلته، لتتحول إلى إحساس فني عال، مخضّب بالمحمولات.الطيب العيدي من قامات الخط العربي في الجزائر؛ إذ يُعرف بلوحاته التي تجمع بين الترميل والخط العربي، وخاصة الخط المغاربي، والتي شارك من خلالها في أهم التظاهرات الوطنية والدولية، ونال، عبرها، العديد من الجوائز. وفي بادرة حميدة، أدرجت وزارة التربية الوطنية، اسم وأعمال الفنان التشكيلي والخطاط الطيب العيدي، في برنامج مادة التربية التشكيلية للسنة الثالثة متوسط؛ عرفانا بمسيرته الحافلة بالأعمال الجميلة والرائعة، وبجملة من الجوائز الكثيرة التي ظفر بها.. ومن بين هذه التتويجات الجائزة الأولى للصالون الوطني للخط العربي والزخرفة بمستغانم في 2014، وجائزة كتارا بقطر في 2020، لأفضل غلاف رواية في فئة روايات الفتيان، والجائزة الأولى للفنون الجميلة في مسابقة دبي الثقافية بالإمارات في 2013، وجائزة الإيسيسكو للخط العربي (الحروفية) في 2021. كما تُوج الراحل في 2019، بجائزة أفضل تصميم لطابع بريدي موحد بجامعة الدول العربية، حول موضوع "القدس عاصمة فلسطين"، حيث طُبع هذا الأخير في كل الدول العربية الأعضاء بالجامعة.