السينمائية البوركينابية دلفين واتارا لـ"المساء":

التحرّر من القيود المالية ضرورة لإحياء السينما الإفريقية

التحرّر من القيود المالية ضرورة لإحياء السينما الإفريقية
السينمائية البوركينابية دلفين واتارا
  • 194
مبعوثة "المساء" إلى تيميمون: نوال جاوت مبعوثة "المساء" إلى تيميمون: نوال جاوت

في إطار الدورة الأولى لمهرجان تيميمون الدولي للفيلم القصير، التقت "المساء" مع السينمائية البوركينابية دلفين واتارا، التي قدّمت ماستر كلاس مميزًا بفندق "قورارة"، جمع بين السرد الشخصي والتأمل في السينما الإفريقية، والانخراط الاجتماعي والنسوي، وسط جمهور كبير من طلاب السينما، والمخرجين الشباب، والفنيين، وعبّرت واتارا عن إعجابها بالمكان والشعب الجزائري، معتبرة أن الدورة الأولى للمهرجان كانت "ضربة معلم بكل معنى الكلمة". وقالت إنها لم تكن تعرف الجزائر قبل هذه التجربة، لكنها اكتشفت من خلال المهرجان شعبًا رائعًا وتاريخًا غنيًا، ما جعلها تقع في حب تيميمون، متمنية أن تظل أبواب هذا المهرجان مفتوحة لها دائمًا.

ركزت واتارا في حديثها مع "المساء" على قضية تمويل السينما الإفريقية، التي تعتبرها إحدى أكبر التحديات التي تواجه صانعي الأفلام في القارة. وأوضحت أن معظم التمويلات تأتي من دول الشمال، التي غالبًا ما تفرض شروطها على الإنتاج والمحتوى، وهو ما يقيد حرية الإبداع لدى السينمائيين الأفارقة. وأكدت على أن التحرر من هذه القيود المالية ضرورة لإعادة إحياء السينما الإفريقية بروحها الأصيلة، قائلة "إذا أردنا نحن الأفارقة أن نعيد إحياء روحنا داخل سينما تنافسية، فعلينا أن نقطع مع آليات التمويل التي تُبقينا مرتبطين بتمويلات الشمال. التمويل الأجنبي أحيانًا يتحوّل إلى قيد يقيّد الإبداع، لأنّه عندما يعطيك أحدهم المال ويقول لك "ها هو التمويل، وهذا ما أريده على الشاشة، تصبح غير قادر على التجديد أو الابتكار".

وأكدت محدّثة "المساء" أن الحل لا يكمن في رفض التمويل الأجنبي كليًا، بل في خلق "توازن بين التمويل الخارجي والمبادرات المحلية والوطنية"، حيث يكون للسياسات الوطنية دور في دعم الفن والثقافة، وتوفير فرص إنتاج محلية تمكّن صانعي الأفلام من الحرية الإبداعية. واستشهدت بوركينا فاسو كنموذج ناجح، معتبرة أن التنظيم السيادي لقطاع السينما، والمهرجان الكبير "فيسباكو" الذي يقام سنويًا في واغادوغو، يمثل إنجازًا تاريخيًا في تعزيز السينما الإفريقية وتمكين صانعيها.

وقالت إنّ هذا التوجّه الوطني والحرية المالية ليس فقط شرطًا لبناء سينما أصيلة، بل وسيلة لتعزيز الروابط بين الدول الإفريقية وخلق بيئة تعاونية بين المبدعين. وأضافت أن المهرجانات مثل تيميمون تلعب دورًا أساسيًا في دعم المبدعين المحليين، وتمنحهم مساحة للتفاعل مع الجمهور، والاحتفاء بالمواهب الجديدة، وإطلاق أفكار إبداعية حرة بعيدًا عن القيود الخارجية.

خلال الماستر كلاس، استعرضت واتارا مسارها الفني الطويل، مشيرة إلى أن شغفها بالسينما وُلد صدفة بعد دراسة فنون الاتصال، وتكوينها في مجال الفندقة في طوغو قبل العودة إلى بوركينا فاسو. كان حبها للصحافة دافعًا لها، فقد زارت استوديوهات التلفزيون الوطني لاكتشاف كواليس النشرة الإخبارية، وهناك التقت بمخرج السلسلة الشهيرة "فيز-أ-في"، التي تُعرض منذ عام 1993، والمعروفة بالنقد الاجتماعي والسخرية. وأعجب المخرج بتفانيها وطبيعتها، فقدّم لها دورًا بسيطًا كبائعة أرز في العاصمة، وهو الدور الذي شكّل نقطة انطلاق لمسيرة فنية تجاوزت 35 عامًا، جعلتها اليوم من أبرز وجوه التلفزيون والسينما البوركينابية. وأكدت واتارا أنّ كلّ تجربة صغيرة ساهمت في صقل شخصيتها الفنية، وأنها لم ترفض أيّ فرصة، فكلّ دور، مهما بدا بسيطًا، أتاح لها تعلم مهارات جديدة وفهم الجمهور، وتطوير أدواتها التعبيرية.

أشهر أدوارها على الإطلاق كان شخصية "ماموتا"، الأم الصارمة والمحبة في آن واحد، التي جسّدت القوّة والانضباط والحب الأمومي، وناقشت من خلالها قضايا اجتماعية وعائلية عالمية. واستمرت واتارا في تجسيد هذه الشخصية لمدة 15 عامًا، ما جعلها رمزًا نسويًا وشعبيًا، قريبًا من الجمهور، وموصولة بالواقع اليومي للنساء في بوركينا فاسو. وقالت إن اختيار تمثيل الأمهات من الأحياء الشعبية لم يكن مجرد قرار فني، بل انعكاس للواقع الاجتماعي واستراتيجية لتقديم صورة دقيقة للتحديات اليومية التي تواجه النساء، معتبرة أن الفن وسيلة لتغيير الواقع لا مجرد وسيلة للترفيه. وأضافت "ماموتا تواجه الرجال المتقاعسين وتصبح صوتًا وقوة للنساء الإفريقيات. هذا الدور يعكس التزامي الاجتماعي ويجعل الفن أداة تأثير حقيقية". وفي حياتها الواقعية، تدعم واتارا الفئات الضعيفة والمحتاجة، وهو ما أكسبها لقب "جدة الأحياء الشعبية"، مؤكّدًة أن الالتزام الاجتماعي جزء لا يتجزأ من هويتها الفنية.

خلال الماستر كلاس، قدّمت واتارا تحليلاً صريحًا للسينما الإفريقية الحديثة، منتقدة اعتماد المخرجين على التمويل الأجنبي، ونقص الدعم المحلي، وإعادة إنتاج الصور النمطية الغربية عن إفريقيا. وشدّدت على أهمية "المبادرات المحلية والإقليمية" لدعم الإنتاج، وإتاحة الفرصة لصانعي الأفلام لرواية الواقع الإفريقي بتنوعه ودقته، بعيدًا عن الوصفات الجاهزة والقيود الخارجية. وأشارت إلى الدور المهم لمدرسة السينما في واغادوغو، أول مدرسة سينمائية في إفريقيا جنوب الصحراء الناطقة بالفرنسية، في تدريب الجيل الجديد من المخرجين وصانعي الأفلام، مؤكدة أن التعليم الفني يشكل قاعدة أساسية لبناء سينما مستقلة وحرة.

تضمنت الجلسة مناقشات حول السرد وخلق الشخصيات والتفاوض مع المنتجين، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه صانعي الأفلام لإنتاج أعمال قابلة للتصدير دوليًا. وردّت واتارا بعبارة قوية "الكاميرا أداة حرية قبل أن تكون أداة تقنية. علينا أن نكتب إفريقيا معنا، لا ضدنا"، كما لم تخف واتارا إعجابها بمهرجان تيميمون منذ وصولها، مؤكدة أن الدورة الأولى كانت تجربة فريدة. وقالت إنها شعرت بانتماء حقيقي إلى الجمهور، وتجربة تفاعلية حقيقية مع الحضور، ما جعلها تقع في حب المدينة والشعب، وتكتشف تاريخًا لم تعرفه من قبل، مؤكدة أن هذا الاحتفاء بالمواهب والفن يترك أثرًا دائمًا على صانعي السينما والمجتمع المحلي.

ختمت دلفين واتارا الماستر كلاس برسالة ملهمة للجيل الجديد من صانعي السينما الإفريقية، مؤكّدة أنّ القدرة على "التحرر من التبعية المالية والسياسية" هي شرط أساسي لإبداع سينما حقيقية تنطق باسم القارة وشعوبها. وبيّنت أن كل مخرج شاب يجب أن يسعى إلى مزج الإبداع الفني بالالتزام الاجتماعي، وأن يستخدم السينما أداة للتغيير والتعبير عن الواقع الإفريقي بصدق وحرية.