تحفة معمارية ومكان التقاء العاصميين

البريد المركزي يعيش العزلة!

البريد المركزي يعيش العزلة!
  • 2218
ق. ث ق. ث
يبدو أنّ مبنى البريد المركزي، تلك التحفة المعمارية ومكان التقاء العاصميين الذي يخضع حاليا للترميم، يعيش العزلة، رغم أنّ خصائصه التراثية تؤهّله إلى أن يكون معلما متحفيا، فضلا عن دوره الأوّل في تقديم الخدمة العمومية، وفي هذا الصدد تأسّف المهندس المعماري والموسيقي محرز بناني قائلا؛ ”عند مروري أمام هذا المبنى- المعلم لا شيء يدعوني لصعود أدراجه، لأنّه في انقطاع تام مع المدينة وأهلها، حيث لا يشجع لا على التبادل ولا على الاكتشاف”. 

تمّ تشييد البريد المركزي سنة 1911 على أيدي المهندسين المعماريين جول فوانو ودينيس ماريوس تودوار، حيث يعتبر بناء يمثّل الهندسة المعمارية ذات الطابع الموريسكي الجديد و«يحتوي على تقنيات تزيينية ماهرة تضفي على المنشأة مسحة جمالية ذات بعد ثقافي وتاريخي”، حسبما أكّده المهندس والمرمّم كمال سمار في دراسة خصّصت لهذا المعلم العاصمي الهام، ورغم تعرضه جزئيا لحريق سنة 2012، إلا أن البريد المركزي لا يزال يعيش منذ قرابة ثلاثة أشهر على وتيرة أشغال الترميم الاستعجالية التي شرع فيها على إثر تقرير مصالح المراقبة التقنية للبناء. 

من جانبه، أكّد المدير العملياتي للاتصالات في الجزائر-وسط، سيد علي مراح أن ”الأشغال الجارية تخص فقط أعمال تدعيم وتأمين المبنى، حيث عرفت بعض أجزائه حالة تدهور متقدّمة”، وهي الملاحظة التي أكّدها كمال زميرلي المكلّف بالدراسات الذي عيّن مؤخّرا لمتابعة أشغال ترميم المبنى الذي أشار إلى ”غياب كلي للتنسيق” بين اتصالات الجزائر وبريد الجزائر وموبيليس، حيث تعدّ المؤسسات ”الوريثة” للبريد المركزي التي يأمل المهندس المرمم أن تنسق فيما بينها من أجل التكفّل ”الحقيقي” و«الفعلي” بالمبنى كمعلم تراثي ”من أجل السماح بفتح فضاء متحفي”. 

كما أعرب محرز بن ناني هو الآخر عن إعجابه بفكرة إنشاء فضاء يقدّم خدمة عمومية بامتياز في البريد والاتصالات، وفي نفس الوقت تمكين مستعمليه من تذوّق الأعمال الفنية، مضيفا أنّ ”هذه المنشأة التاريخية الجميلة (البريد المركزي) تمنح آفاق لفضاء ثقافي مركزي (...) وينبغي إرجاعها للمدينة لتكون مؤسسة متحفية”. 

وكجميع المباني العمومية التي تنتظر التصنيف، فإنّ البريد المركزي ”يوجد في أجندات” وزارة الثقافة، كما أشار مدير الحماية القانونية للتراث بوزارة الثقافة مراد بتروني الذي أكّد بالمقابل أنه ”لم يتم تقديم أي طلب لتصنيف المبنى حتى الآن”، من قبل وزارة البريد. 

كما أعرب العديد من الفنانين والمهندسين المعماريين عن موافقتهم على تصنيف هذا المبنى الأسطوري في الجزائر العاصمة، مبدين تحمّسهم لفكرة إعطاء بعد ثقافي للبريد المركزي، هذا المبنى الذي يستقطب يوميا مئات الزبائن. 

أمّا الفنان التشكيلي والسينوغرافي أرزقي العربي، فقد أوضح أنّ ”علاقة البريد بالمدينة كانت منذ الأزل قوية”، موصيا بإنشاء متحف موضوعاتي مرتبط بتاريخ هذا المبنى ويبرز مختلف مراحله منذ تدشينه، وأضاف أنّ ”اختيار متحف للبريد مثلا، سيعيد الحياة لآلاف الأشياء الخاصة بالبريد وعماله عبر مختلف الحقب”، مذكّرا أن العديد من الطوابع البريدية تحمل توقيع أشهر الرسامين، على غرار محمد راسم وأمحمد إيسياخم ومحمد خدة وباية من بين فنانين آخرين ”الذين يستحقون التنويه من خلال معارض دائمة أو دورية” على جدران البريد المركزي، كما أنّ العديد سيستحسنون عودة رسامي البورتريهات الذين طالما تواجدوا على أدراج وساحات البريد المركزي، مقترحين خدماتهم على الزبائن والمارة. 

وبما أنّهم أرغموا على مغادرة محيط المبنى، فإنّ البعض من هؤلاء الفنانين انتقلوا إلى أماكن أخرى في المدينة، حيث يواصلون بصعوبة ممارسة فنهم، وهو النشاط الذي يستحق البقاء والاستمرار في إطار متحف يحتضنه البريد المركزي ويأتي لاستكمال دوره الثقافي.