المنشد السوري شادي عبد الكريم لـ"المساء":

الإنشاد إرشاد وأرفض استعمال الآلات الصاخبة

الإنشاد إرشاد وأرفض استعمال الآلات الصاخبة
المنشد السوري شادي عبد الكريم
  • القراءات: 916
❊حاوره: زبير زهاني ❊حاوره: زبير زهاني

يعد قامة من قامات الموشح والإنشاد بالوطن العربي، من مواليد حماة السورية التي أصبح فيها عضوا بنقابة الفنانين، شارك في العديد من المهرجانات المحلية والدولية، على غرار مهرجان الأغنية السورية، مهرجان البادية، مهرجان المحبة، وعمل في فرقة زنوبيا القومية كمطرب "صوليست" للموشحات والأدوار، كما عمل في الفرقة السنفونية الوطنية لدار الأوبرا، والتي شاركت في عدد من المهرجانات، نال جائزة أفضل مطرب في مهرجان "مثلث الأندلس" بالمغرب الذي يعد تجربة فنية فرنسية سورية، اختص في دراسة الموشحات الأندلسية العربية وفي غنائها، يعزف على العديد من الآلات الموسيقية، ويعمل حاليا مدرسا في أصول قوالب الغناء العربي، هو المنشد السوري شادي عبد الكريم، الذي نزل ضيفا خفيف الظل وبإطلالة متميزة على المهرجان الدولي الثقافي للإنشاد بقسنطينة، خلال الأيام الفارطة.  "المساء" اقتربت منه، وكان لها معه هذه الدردشة، عن مشاركته وحول رؤيته لفن الإنشاد بشكل عام.

أولا، هل من كلمة عن مشاركتكم في مهرجان الإنشاد بالجزائر.

❊❊ قبل كل شيء، أود أن أزف لكم تحية من الشعب السوري إلى الجزائر، وأجمل تحية، إلى هذا الشعب الطيب، عبر كل الولايات، تشرفت بدعوة إخواني من الجزائر من أجل المشاركة في فعاليات المهرجان الدولي للإنشاد في طبعته الثامنة بقسنطينة، أشكر القائمين عليها، وهذه المبادرة جميلة جدا، وقليلة في العالم العربي، حيث يتم تنظيم مهرجانات خاصة بالإنشاد الديني. هذا شيء جميل وعظيم،  ويقدم الإضافة في العالم العربي والإسلامي، فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى مثل هذه المهرجانات التي أصبحت قليلة، مقارنة بالمهرجانات المهتمة بالأغنية العصرية والشبابية. نحن نحفز الدول العربية على تنظيم وتشجيع مثل هذه المهرجانات، التي أعتبرها هادفة من أجل الإرشاد والإنشاد.

كيف وجدتم تفاعل الجمهور الجزائري مع الإنشاد؟

❊❊ الحمد لله، وجدت تفاعلا إيجابيا، مع هذا النوع الفني الذي يلقى إقبالا مميزا من طرف الجزائريين والشباب خاصة، وأظن أنه ما زال العمق الطربي مغروسا في الشعوب العربية، وهي في انتظار كل ما هو جميل، لتستقبله بصدر رحب، والجمهور العربي بشكل عام، يبقى متفتحا على كل الطبوع، ويتلقى كل شيء ويميز بين العمل الجميل والرديء.

من خلال أدائكم، وجدنا أنكم تعتمدون على التنويع وعدم الاكتفاء بنوع طربي واحد، لماذا هذا السفر بين الطبوع؟ 

❊❊ السفر في الموسيقى من أروع ما يكون، وأن يؤدي المطرب قصيدة من 15 أو 20 بيتا، والإلقاء بنغمة واحدة، تؤدي إلى ملل الجمهور، وعليه يتوجب على المنشد أو المطرب أن يكون ذكيا، وأن ينوع في عمله فوق الركح، حتى يبقى المتلقي مشدود الانتباه، هذا ما يسمى بتعدد الأداء أو التلوين الطربي، وعلى المؤدي أن يتفاعل مع الكلمة ويعطيها حقها، إذ يحزن بحزنها ويسعد بسعادتها.

  هل لكم اتصالات مع منشدين من قسنطينة خاصة أو الجزائر عموما؟

❊❊ للأسف، زياراتي قليلة للجزائر، فقد زرت البلد لأول مرة منذ ثلاث  سنوات فقط، على هامش المشاركة في المهرجان الدولي للمالوف بقسنطينة، وكان عملي مقتصرا على تقديم الموشحات والأدوار، لذلك علاقتي مع المنشدين في الجزائر وقسنطينة ضعيفة جدا، وأتمنى أن تكون بوادر وعلاقات عمل مشترك وتعاون فني في هذا المجال، مستقبلا.

أنتم القادمون من بلاد الشام، كيف وجدتم الإنشاد في الجزائر بشكل خاص، والمغرب العربي بشكل عام؟

❊❊ هي المرة الثانية التي أزور فيها الجزائر، وقد زرت المغرب من قبل ثلاث مرات، ومرة تونس، أنا سعيد بأن بلدان المغرب العربي، ومن ضمنها الجزائر الشقيقة، يهتمون بالإنشاد الديني بشكل كبير، وأنا شخصيا وقفت على ذلك في الجزائر، فالواحد منها عندما يستيقظ من النوم ويخرج يتجول صباحا عبر الشوارع والأزقة والطرق، ومثلما نحن في سوريا معتادون على سماع فيروز، في هذا الوقت من النهار، تفاجأت بالجزائريين وبشكل كبير، حتى لا أقول الكل، يضعون في المحلات التجارية يوميا، إنشادات دينية ومدائح نبوية، وهذه بادرة  أعتبرها شخصيا جميلة جدا.

الإنشاد رسالة نبيلة وكلمة هادفة، وفي السنوات الأخيرة، لاحظنا دخول الآلة على هذا النوع الفني، هناك من يرفض وهناك من يدعم، في أي معسكر تتخندقون؟

❊❊ أنا مع الطرف الذي يرفض دخول الآلات العصرية إلى الإنشاد، باستثناء آلات الإيقاع، وأنا هنا تجدني متعصبا بعض الشيء للآلات الإيقاعية فقط، خاصة عند تقديم فقرات مباشرة أمام الجمهور في حفلات زفاف، أعراس أو في مهرجانات ومناسبات أخرى، هذا النوع الفني هو إنشاد، وأركز أن مهمته الحقيقية هو إرشاد المستمع ونصحه، ومهمتنا نحن كمنشدين أو فرق إنشادية، ليس إرقاص الناس، بقدر ما هي منح أشياء جميلة يستفيد منها المتلقي أو تذكيره بأشياء روحانية وربانية، وأظن أن المنشد في هذه الحالة ليس بحاجة إلى آلة موسيقية، أما عند التسجيل داخل الأستوديو، فالأمر يختلف، إذ يمكن أن يقدم المنشد "سينغل" فيه شيئ من الموسيقي، بشرط أن لا يكون مزعجا، طبعا.

بعض المنشدين العالميين، على غرار سامي يوسف، الذي زار قسنطينة وحدثنا، يدافع عن استعمال الموسيقى في الإنشاد، ويعتبرها لغة العالم التي يجب استعمالها من أجل إيصال رسالة المنشد، فما تعليقكم ؟

❊❊ أنا لا أعارض استعمال الموسيقى في التسجيل أو في الألبومات، خاصة عند استعمال الآلات الساردة على غرار البيانو والأورغات، التي تعطي أصواتا بشرية صناعية، مثلما كان يعمل بعض المنشدين وقراء القرآن، الذين يملكون قنوات في الخليج، ويقومون بتنزيل أصوات بشرية في أعمالهم الإنشادية، تضاف لها بعض الإيقاعات، ليخرج عمل رائع جدا، فتجد أن أي إنسان في العالم يمكنه أن يسمع ويستمتع بهذا التسجيل الراقي، وأكررها ثانية، أنا ضد استعمال الآلات الموسيقية الصاخبة في الإنشاد.

عاشت سوريا أوضاعا صعبة خلال السنوات القليلة الماضية، كيف كان تأثير ذلك عليكم كفنانين؟

❊❊الحرب والدمار خلق فوضى كبيرة، شرد ناسا ويتم أطفالا ورمل نساء وجعل وجه سوريا قاتما، وحقيقة كان تأثيره مباشرا وكبيرا على كل الشعب لمدة خمس سنوات، الفنان من عامة الشعب ويتألم لتألم الشعب، بل أكثر، بصفته صاحب حس رهيف، يكون تأثره بشكل أكبر، وكان هذا التأثر إلى حد الضرر، لكن الحمد لله، الأمور بدأت في تحسن، واليوم تغير الوضع وأصبح الفنان يعمل مثلما كان، قبل هذه الأحداث الأليمة، وبدأت الحياة العادية ترجع تدريجيا إلى بلدنا.

ما هي رسالتكم للشباب الذين يريدون ولوج عالم الإنشاد؟

❊❊ العمل والمثابرة أساس كل نجاح، وعليه يجب الاجتهاد والصبر والعمل المتواصل، وعليهم أيضا أن يتسلحوا بالعلم ويدرسوا الموسيقى بالدرجة الأولى، وأن يتعلموا العزف الآلي بالدرجة الثانية، ويستمعوا إلى مراجع كثيرة، ويجب أن يعرفوا أهم الكتاب الذين لهم باع كبير في الكلمة، ولهم مؤلفات عديدة، على غرار البُرعي الذي يعد من أهم كتاب المذهب الصوفي، يضاف له السيد النقشبندي، محمد عمران، طه الفشني، هذه مراجع يجب على كل شاب مهتم بالإنشاد، أن يكون ملما بأعمالهم الأدبية، ويكون مطلعا على قصائدهم وكلماتهم.

هل من كلمة أخيرة؟

❊❊ أشكركم وأشكر استضافة المهرجان وكل من قدم الدعم لهذه الفعالية، نحن نحب الشعب الجزائري كما يحبوننا، وهذا واضح من استقبالهم الحار لنا، ومن اهتمامهم المتواصل بمحنتنا، وأظن أن القلوب عند بعضها، كما أشكر جريدة "المساء" على هذا الاهتمام، وأتمنى التطور وأن تكون الأمور في أجمل حال مستقبلا.