في ندوة للباحثين فراد وبوسعدية
الأمن الهوياتي في مواجهة التحولات العالمية

- 190

نظمت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أول أمس، بمقر جمعية الجاحظية ندوة بعنوان "من الهويات الثقافية المتصارعة إلى دولة المواطنة والعيش معا بأخوة وسلام" نشطها الباحثان محمد أرزقي فراد ومحمد سعيد بوسعدية، حيث تناول كلاهما أهمية الأمن الهوياتي في الذود عن الوطن خاصة في ظل التحولات التي يشهدها العالم ما يستدعي تعزيز خطاب الوحدة .
الجزائر مستهدفة
أشار الدكتور فراد إلى أن الجزائر مستهدفة، وهذه الندوة تتماشى وهذا الظرف العصيب، خاصة وأن مسألة الهوية عادت للطرح من جديد رغم وضوح أمرها في الدستور الجزائري منذ سنة 2002، مؤكدا أن سبب أي احتقان ثقافي حاصل ناتج عن إهمال تاريخ الجزائر العريق سواء كان ذلك في المنظومة التربوية أو في تحرير تاريخنا الوطني من القراءات الاستعمارية الفرنسية وكذا بسبب غياب الثقافة الديمقراطية في المجتمع، ليرجع إلى زمن الأحادية السياسية التي أدت إلى هيمنة الثقافة ذات البعد الأحادي.
قال المتحدث إن الهوية تمثل مجموعة من الصفات التاريخية والاجتماعية والثقافية المشتركة التي تميز مجموعة عن غيرها بينما المواطنة هي الرابطة القانونية التي تربط الفرد بالدولة هذه الأخيرة التي تمنحه خدمات وحقوقا وتلزمه بواجبات.
عاد الدكتور محمد أرزقي فراد لتاريخ الأمازيغية في سياق جهود المصالحة مع الذات الوطنية وتثبيت مكونات الهوية الجزائرية، موضحا أن الأمازيغية مكون أساسي إلى جانب المكون الإسلامي والعربي وكذلك الإفريقي والمتوسطي، مبرزا العلاقة بين الأمازيغية والعربية إلى إطارها الصحيح الذي ساد طيلة 14 قرنا، وهو الوئام والانسجام.
وفي معرض حديثه عن الأمازيغ، توقف عند المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، الذي قال إن سكان شمال إفريقيا هم الأمازيغ، وأشار الدكتور فراد إلى وجود نظريتين: الأولى ترى أنهم أصليون في شمال إفريقيا، والثانية تقول إنهم وفدوا من المشرق، مؤكدا أن هذا الأمر طبيعي لعدم وجود حواجز طبيعية بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فيما ترى أبحاث أخرى أنهم أصليون، وهو ما تدعمه النقوش والآثار الموجودة في مناطق متعددة من شمال إفريقيا، وهو يوافق النظريتين لأنهما متكاملتان.
كلمة أمازيغ أصيلة والبربر دخيلة
أكد الدكتور فراد أن كلمة الأمازيغ ضاربة في التاريخ، أما تسمية البربر فهي دخيلة أطلقها الآخر القوي وتبناها الغير دون وعي لتصبح شائعة رغم جورها تماما كما سمى المستعمر الفرنسي ثوارنا بالفلاقة مثلا، لكن تبقى جهود استدراك هذه المغالطة التاريخية موجودة ــ حسبه ــــــ ذكر منها مثلا جهد الدكتور عبد القادر بوباية من جامعة وهران الذي حقق في كتاب من القرن الـ14م ذكرت فيه تسمية أمازيغ.
في سياق متصل، أشار فراد إلى أن من أسباب مشكل الهوية أن أجدادنا فرطوا في تاريخهم فكتبه غيرهم فظهرت مدارس مفككة لهويتنا وتفصل بين مكونات الهوية الجزائرية، زد على ذلك القراءة الرسمية للتاريخ ما غيب الوعي التاريخي الصحيح كما يؤكد، كما أن المتحدث أشار أن الانفتاح السياسي لم يأت بأكله لأنه لم يتلازم والانفتاح المعرفي، مع غياب الفكر النقدي وعدم العناية بالفلسفة مما عطل العقول.
الهوية الجزائرية في الحركة الوطنية والدستور
من جهته، قدم الكاتب والباحث محمد سعيد بوسعدية مداخلة بعنوان "الهوية الجزائرية من سياق الحركة الوطنية إلى سياق دستور 2020"، مستعرضا مسألة الهوية عند التيارات الكبرى في الحركة الوطنية وهي حزب الشعب والحزب الجزائري وجمعية العلماء، ومتوقفا عند الأزمة البربرية في حزب الشعب سنة 1949.
استعرض المتحدث بُعد الهوية ابتداء من بيان أول نوفمبر وهي وثيقة اتفقت عليها كل النخب الوطنية، فيما اتهم مؤتمر الصومام بتهميشه لبعد الدين واللغة رغم اهتمامه بتنظيم الثورة الفائق، أما مؤتمر الصومام فأبقى على مفهوم الهوية تماما كما كانت في أبجديات الحركة الوطنية. بعد الاستقلال، جاء دستور 1963 (مع فرحات عباس) إضافة لمشروع فيدرالية فرنسا ومشروع المحامين بفرنسا وشهد كل ذلك صراعا فكريا، لكنه حافظ في ديباجته على أن الإسلام دين الدولة والعربية لغة رسمية، أما مشروع دستور فدرالية الجزائر بفرنسا (توجد نسخته بمكتبة فرانسوا ميتران) فاقترح فصل الدين عن الدولة والمواساة في الميراث والعربية لغة رسمية مع لغات أخرى، كتلميح للأمازيغية.
وأشار بوسعدية أن باقي الدساتير والمواثيق منها ميثاق 76جاءت في المنحى العربي رغم عدم تجاهلها للأمازيغية بوصفها تراثا وطنيا، وفي دستور 1989 كان الغليان السياسي في أوجه وكانت فرصة ترسيم الأمازيغية لكن ذلك لم يتم إذ أرادت السلطة رد الأمازيغية لتبرير ردها الرافض للتيار الإسلامي، لكن الاستدراك بدأ مع دستور 1996 تمهيدا للترسيم في 2002، وفي 2016 تمت الدسترة كنوع من الأمن الهوياتي ثم تم التعزيز أكثر في دستور 2022.