مسرحيّو الأغواط والتاج بندوة مهرجان المحترف
استمرارية النشاط المسرحيّ رغم الصعاب

- 704

قدّم مسرحيو الأغواط وتعاونية "التاج" لبرج بوعريريج، معلومات وفيرة عن تاريخ الحركة المسرحية لهاتين المدينتين؛ من خلال ندوة نُظمت بالمسرح الجزائري في إطار الطبعة الخامسة عشر لمهرجان المسرح المحترف.
تناول الدكتور منصور بشير بديار في مداخلته، تاريخ الحركة المسرحية في مدينة الأغواط، فقال: "في بداية الثلاثينات من القرن الماضي وتحديدا عام 1937، تأسس نادي الأدب في الأغواط، وكان يحتضن تمثيليات وسكاتشات يقدمها فنانون، من بينهم سنوسي بن عيسى بن سنوسي، الذي أنشأ عام 1948، فرقة للمسرح تابعة لفرقة "ثريا" التي أسسها حزب الشعب. وقد توقفت عن العمل بعد اندلاع الثورة التحريرية، بينما أسس حزب البيان، أيضا، فرقة عام 1948، توقف نشاطها عام 1958". وتابع: "بعد الاستقلال قام مسرحيو الأغواط بتمثيليات إذاعية. كما عرفت المنطقة تأسيس العديد من الفرق؛ كفرقة "بارود الأغواطي"، علاوة على بروز تمثيليات عديدة، أبرزها تمثيلية عمي الصالح، ثم قام أحمد مراد من شبيبة جبهة التحرير الوطني، بإنشاء فرقة شاركت في العديد من المهرجانات، ليؤسس سنوات فيما بعد وبالضبط عام 1985، فرقة أخرى، من بين أعضائها هارون كيلاني، الذي منه انطلق المسرح المحترف بالأغواط".
ومن جهته، قدّم الفنان هارون كيلاني كلمة حماسية، تحدّث فيها، بدوره، عن تاريخ الحركة المسرحية الأغواطية، والبداية بنادي القمرة الذي طارده المستعمر الفرنسي، ومن ثم إنشاء مسرح محمد الأغواطي، مضيفا: "في بداية الأربعينات بدأت النهضة المسرحية في المنطقة مع محمد جودي، الذي اعتبره كيلاني سيد الثقافة في الأغواط من دون منازع". وتابع: "جودي كان صديق الفنانين والأدباء؛ مثل كاتب ياسين، ومحمد توري. وهو أول من كتب السيناريو في المدينة، وكان يهتم بالكوريغرافيا. وقد شكّل مدرسة، تَعلّم فيها العديد من الفنانين من بينهم سنوسي. أما بعد الاستقلال فقد برز مسرح حقيقي في المنطقة. وتم إحداث مجلس استشاري في الأغواط برئاسة حسن جاب الله، ضم عدة أسماء، من بينها المتحدث".
ونوّه كيلاني بنصوص احميدة مراد. وأضاف أنه شارك رفقة مسرحيين أغواطيين عام 1985، في مهرجان مسرح الهواة بمستغانم؛ حيث تم الاحتكاك بقامتين في المسرح، هما مصطفى بن عبد الحليم الملقب بـ "سي الجيلالي"، وولد عبد الرحمان كاكي، ليتم، بعدها، إنشاء أول فرقة مسرحية في الصحراء عام 1988، ومن ثم عرض العديد من المسرحيات. كما قُدم عام 1991 طلب تشييد مسرح جهوي بالأغواط، بينما عرف المسرح الأغواطي عام 1996، تأسيس أول جمعية متخصصة في مسرح الطفل بعنوان "آفاق الجنوب"، التي شهدت بروز مصطفى صفراني، وحمزة جاب الله، ويوسف سحيري. وعرف مسرح الطفل تطورا أكبر على يدي عيسى حديد.
وأضاف كيلاني: "في عام 2007 تم تأسيس جمعية "الدرب الأصيل" الأغواطية، من ثم أنشئ أول مهرجان مونودرام ينظَّم كل سنة، ليتم بعدها إنشاء المزيد من الفرق المسرحية". أما الفنان طاهر صفي الدين، فقد تطرق لبداياته في المسرح، فقال إنه كان عضوا في جمعية "آفاق الجنوب"، لكن مسيرته انطلقت، فعلا، حينما مَثل في مسرحيات هارون كيلاني؛ حيث اكتشف مسرحا مغايرا عما ألفه. وأضاف أن أول مسرحية مثلها كانت حول القضية الفلسطينية من توقيع كيلاني، تلتها العديد من المسرحيات، من بينها مسرحية "حلم غير مثقوب"، التي قال عنها طاهر "شكلت مخبرا مسرحيا حقيقيا؛ حيث تم الاشتغال فيه على الجسد، والإيماءات، ولغة مختلفة عن المعتاد"، مؤكدا قدرة الممثل على التعبير من جسده من دون أن ينطق كلمة واحدة. وتابع أن كيلاني يهتم في أعماله بالطقوس، وإبراز تراث المنطقة، التي تُعتبر بوابة الصحراء، وامتدادا لإفريقيا، ومركزا للصوفية. كما يهتم بالاشتغال على الماء، والطين والقماش، علاوة على إبرازه المسرح المحلي، ومخاطبة الغير لتشكّل أعماله متعة لصانعه، وفرجة للمتلقي".
وبالمقابل، أكد الفنان وعضو تعاونية "التاج" عبد الحليم زدام، العلاقات الأخوية التي تربط بين أعضاء التعاونية، التي أصبحت، فعلا، عائلة لا يمكن تفكيك أواصرها، مضيفا: "التعاونية أنشئت عام 1989 على يدي عمر شروق، الذي كان ينشط رفقة آخرين في فرقة "الحوار" المسرحية ببرج بوعريريج، لتتوقف عن النشاط، وتتأسس فرقة "التاج"، التي حملت، على عاتقها، تفعيل المسرح في المنطقة". وأشار زدام إلى معنى اسم الفرقة، فقال إنه يُعنى بها وضع المسرح فوق رؤوسهم، كاشفا عن أول مسرحية قدمتها التعاونية، وهي "قلب حكاية وناس"، وكان ذلك في الأيام المسرحية بسطيف التي نُظمت عام 1990، والتي تحكي عن الإنسان؛ مثل كل المسرحيات التي تقدَّم في "التاج". وتابع: "في وقت كانت، تقريبا، كل الفرق المسرحية الجزائرية تقدم أعمالا بصبغة علولة وكاكي، جاءت "التاج" بتجربة جديدة". أما مسرحية" الشك" فقد تم عرضها عام 1993. وتم استعمال البخور فيها، لكن النقلة الكبيرة للتعاونية كانت مع مسرحية "كاتينا" التي قدمتها عام 1994 في الجزائر، ومن ثم عُرضت بمهرجان عريق برومانيا، علما أنها عُرضت أكثر من 233 مرة.
وعن تقديم التعاونية عروض الشارع، فقال زدام إن مسرح "التاج" قدّم أكثر من 2000 مرة، مسرحية "جحا". وغطى كل ولايات الوطن ما عدا ولايتي أدرار وإليزي، وهذا طيلة 16سنة. وقد عُرضت باللغات العربية، والفرنسية، والإنجليزية في الجزائر، وفي العديد من الدول. وعبّر زدام عن سعادته بإنشاء العديد من الفرق المسرحية في برج بوعريريج، بعدما كانت فرقة "التاج" الوحيدة التي تنشط في المدينة، ليؤكد مساهمة التعاونية في وضع حجر في تاريخ الحركة المسرحية في البرج.
وأما الفنان وأحد مؤسسي تعاونية "التاج" ربيع قشي، فقال في كلمة مقتضبة: "لا يمكن الحديث عن الفنان بدون إصدار قانون خاص به". ولا يريد قشي أن يحوّل تعاونية "التاج" إلى جمعية، وهو يحتاج لأن يكون له الحق القانوني في تخصيص فضاء، يفعّل فيه نشاطه مثل أي فرد آخر. وبالمقابل، كشف الناقد المسرحي عبد الناصر خلاف الذي أدار الجلسة، عن تحضيره كتاباً حول المسار الفني لتعاونية "التاج"، سيزوّده بشهادات أيضا.