“عين حمورابي” لولد عبد الله

استحضار إبداعي لذاكرة الدم المفقودة

استحضار إبداعي لذاكرة الدم المفقودة
  • القراءات: 3925
ق.ث ق.ث

يسترجع الروائي عبد اللطيف ولد عبد الله في روايته الموسومة “عين حمورابي”، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة “البوكر” العربية هذه السنة، صورا مفزعة ومؤلمة من الذاكرة الجماعية للجزائريين، خلال العشرية السوداء، ويغوص في تفاصيل تمازج بسلاسة بين الواقع والفانتازيا.

تدور حبكة هذا العمل الذي يجمع بين التحقيق البوليسي والخيال -الصادر عن منشورات “دار ميم” في 327 صفحة - بين أحداث واقعية ميزت مرحلة العشرية السوداء في الجزائر، وأخرى من الخيال، في فضاء سردي دائري مشبع بالحكي والموت والحركة في الزمان والمكان ومكتظ بالشخوص.

يروي بطل النص “وحيد حمراس”، حكايته أمام محققين في ثكنة عسكرية، لجأ إليها بعد مطاردة عنيفة له من طرف سكان القرية، بتهمة تهديمه لقبة الولي الصالح “سيد المجدوب”، فيما تتهمه السلطات بالخيانة عبر مساعدة البعثة الأجنبية في سرقة الآثار، وقتل ثلاثة أشخاص من أبناء قريته.

يتميز المكان الذي تدور فيه الأحداث بوجود مقامان لوليين من أولياء الله الصالحين، كل واحد منهما على قمة جبل، وهما مقامي “الحراق” و"المجدوب”، حيث يتبارك بهما الناس، إلا أن الحفريات أثبتت أن هذين المقامين لا يوجد بهما أي أجساد، فهما مجرد هيكلين بناهما الرحالة هاينريش فون مالتسان في القرن التاسع عشر، كإشارة إلى موقع أثري مهم يقع في إحدى المغارات، ولذلك دلالة على سطوة الخرافة والشعوذة في المجتمع، ومحاولة الغرب الاستحواذ على تراث مستعمراته.

يسترجع “وحيد حمراس” الذي يشتغل طبوغرافيا في الموقع الأثري، خلال الاستجواب، بداية الخيوط الأولى للأحداث، حيث تلقى اتصالا هاتفيا من زميله في الدراسة، الألماني دونالد هاردي، يطلب منه المشاركة في بعثة أثرية ألمانية للتنقيب وإجراء حفريات في موقع بمحاذاة قريته، التي هجرها منذ ثماني سنوات إلى ألمانيا، من أجل البحث عن “مخطوط مالتسان”، وتتوالى بعدها الأحداث في وتيرة كثيفة ومتداخلة، أين يتعرض أشخاص للقتل بعد عودته إلى القرية.

وخلال التحقيق الذي كان يبوح فيه “وحيد حمراس” شيئا فشيئا، تنكشف أسرار عن ماضيه الغامض، حيث يطرح عليه المحقق سؤالا يخص هوية الجثة التي شوهد وهو يدفنها رفقة المشعوذين “نجاة عزرا” - حبيبته الأولى - و"الحمداوي”، وكذا سبب اغتياله لعدد من أبناء القرية بطريقة فضيعة، ببتر أعضائهم الجنسية.

تتوضح السمات النفسية للبطل “وحيد حمراس” مع كل إجابة، ويكشف الراوي بعناية، أغوار شخصيته المضطربة، لتتجلى طبقات الحقيقة المدفونة في أعماقه بفعل الصدمة، ليتكشف سيرة ملغمة بالخيبات والخيانة والفصام، فهو ابن غير شرعي للمشعوذ العجوز “الحمداوي”، كما أن الوالد الذي رباه ويحمل اسمه رسميا، قتل والدته بعد سنوات من اكتشاف خيانتها.

بتشابك الأحداث، تطفو حقائق كثيرة حول سلسلة الجرائم في القرية، ومع كثافة الأسئلة، يعرض المحققون صور جريمة بشعة وقعت منذ ثمانية أعوام، لامرأة قتلت رفقة ابنتها وابنها الصغير، بعد اغتصابهم، فينفي “وحيد حراس” معرفته بهؤلاء، رغم أن تلك الصور تعود لزوجته وابنيهما.

تتميز رواية “عين حمورابي” بالتداخل بين الواقع والخيال، وبنسج محكم للشخوص، رغم عددها والانتقال في فضاء زماني ومكاني متداخل ودائري، وهي من التقنيات التي أبدع فيها لبناء نصه البوليسي المشوق بلغة سلسلة متدفقة متراصة.

من مواليد 1988، عبد اللطيف ولد عبد الله، حصل على شهادة مهندس معماري، وله مقالات ونصوص تتناول مواضيع ثقافية. وصدر للروائي “خارج السيطرة” (2016)، “التبرج” (2018) و”عين حمورابي” (2020).