معرض فنون ممالك الصحراء والساحل الإفريقيّ

إرث القارة السمراء المنهوب

إرث القارة السمراء المنهوب
  • القراءات: 894
ق.ث / الوكالات ق.ث / الوكالات

يسلّط معرض ميتروبوليتان بنيويورك المقام حتى 26 من شهر أكتوبر الجاري، الضوء على الإرث الإفريقي المنهوب، والموزع، اليوم، على متاحف العالم؛ فالجانب الأكبر من هذه المعروضات استعير من مؤسسات ومجموعات خاصة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وأغلبها نُهب، في الأصل، من القارة الإفريقية أثناء فترة الاستعمار. 

أشار الدكتور ممادو ضيوف، مدير معهد الدراسات الإفريقية في جامعة كولومبيا، ومستشار المعرض، إلى أن متحفا واحدا فقط في باريس، مثلا ـ وهو متحف "برانلي" ـ يملك ما يقارب خمسين ألف قطعة فنية إفريقية، تم الاستيلاء عليها أثناء حقبة الاستعمار.

ويحمل المعرض كذلك العديد من التساؤلات حول الإرث التاريخي والثقافي لتلك الدول، وتأثير الحقبة الاستعمارية على إعاقة التواصل مع هذا الموروث الطويل، علما أن الاستعمار تعمَّد محو الإرث التاريخي لتلك الدول، وتشويه ثقافتها من أجل التقليل من إنسانية شعب إفريقيا، وتبرير العبودية وتجارتها عبر المحيط الأطلسي.

ومن مظاهر هذا الطمس والتشويه العمل على استبدال أنظمة الحكم الأصلية لصالح الأنظمة الأوروبية المفروضة بالقوة، والتعامل مع المنجز الثقافي الإفريقي كنشاط بدائي على الرغم من تأثيره الكبير في الثقافة الغربية في مناح عديدة؛ كالموسيقى والغناء والفنون البصرية.

وتشمل فعاليات المعرض عددا من العروض السينمائية الإفريقية، التي تسلط الضوء على الإرث الثقافي والشفهي لدول الساحل الإفريقي، مع استضافة بعض صنّاع الأفلام الأفارقة، للحديث والنقاش حول أعمالهم. ومن بين هؤلاء المخرجة رحمتو كيتا من النيجر، وفانتا ناكرو من بوركينا فاسو. وتوقف المعرض عند ابن بطوطة في وصف مظاهر الحياة في تلك الأراضي البعيدة التي أُطلق عليها بلاد السودان، فيعدد مناقب ملوكها، وسلوك سكانها، وطباعهم، وعاداتهم، وأساليب عيشهم.

ما كتبه ابن بطوطة في وصفه ممالك الساحل الإفريقي، يُعد أول وصف بدون مظاهر الحياة في تلك المنطقة من إفريقيا، والتي كانت شبه مجهولة، حتى قام أحد سلاطينها برحلة للحج إلى مكة، جذبت إليه الأنظار، وتناول سيرتها المؤرخون شرقا وغربا، وهي رحلة السلطان منسى موسى الذي يكنَّى بالملك الذهبي. في بداية القرن الرابع عشر الميلادي، خرج منسى موسى سلطان مالي من بلاده متوجها إلى مكة، عابرا الصحراء الكبرى، ومارّا بدول وممالك في المغرب والمشرق الإسلامي. وأسهب الكثير من المؤرخين في وصف هذه الرحلة ومدى ضخامتها. وتحولت الشخصية إلى ما يشبه الأسطورة.

يرى البعض أن هذه الرحلة هي التي فتحت أعين الغرب في ما بعد، على خيرات بلاد إفريقيا، وكانت دافعا لاستعمارها؛ إذ كان هناك ذكر لهذه الرحلة بشيء من المبالغة في كتابات بعض المستشرقين والمؤرخين الأوروبيين، الذين اعتمدوا، على ما يبدو، على ما نقله تجار البندقية، الذين صادف وجودهم أثناء مرور منسى موسى بدول المشرق.

كان الساحل الغربي من إفريقيا في ذلك الوقت، يتميز بثرائه المادي والثقافي والبصري. وشهدت هذه المنطقة قيام دول وأنظمة حكم مزدهرة وغنية، وهي تمثل اليوم منطقة شاسعة، تشمل دول مالي والسنغال والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو.  رحلة الحج التي قام بها منسى موسى إلى مكة والروايات المرتبطة بها، كانت أحد المحاور التي اعتمد عليها معرض "الفن في ممالك الصحراء".

ويتتبع المعرض الإرث الفني والثقافي لممالك الساحل الغربي من إفريقيا، وما أنتجته من فنون بصرية، مع التركيز على المراحل الفارقة في تاريخ هذه الدول؛ كسقوط الأسر الحاكمة، ودخول الإسلام وطرق التجارة وتأثير الحقبة الاستعمارية، وغيرها من التحولات التي طرأت على هذه المجتمعات.

ويضم المعرض أكثر من مائتي قطعة، تشمل المنحوتات الخشبية والحجرية والطينية والبرونزية، إلى جانب المتعلقات والأدوات المصنوعة من الذهب والمعدن المصبوب، والمنسوجات المصبوغة. كما تشمل المعروضات عددا من المخطوطات القديمة التي يعود بعضها إلى الرحّالة العربي ابن بطوطة.

ومن بين المعروضات اللافتة تمثال من البرونز يصور السلطان منسى موسى، حاملا قطعة كبيرة من الذهب. وقد صُنع هذا التمثال في جزيرة مايوركا الإسبانية في حوالي القرن الخامس عشر الميلادي، وهو يعكس شهرة وانتشار سيرة هذا الحاكم الأسطوري، وربط العقلية الأوروبية بين حضارات هذه البلاد ومعدن الذهب.