مغنية

إحياء وعدة الولـي الصالح "سيدي أمحمد الواسيني"

إحياء وعدة الولـي الصالح "سيدي أمحمد الواسيني"
  • القراءات: 4008
❊ل. عبد الحليم ❊ل. عبد الحليم

أقيمت بمنطقة بني واسين في مغنية، على مدى يومين، الوعدة السنوية للولي الصالح "سيدي أمحمد الواسيني" الذي يقترن اسمه بالمنطقة، وهو الموعد الذي يضربه كل سنة في مثل هذه الأيام، سكان الجهة وغيرهم من الضيوف المدعوين القادمين من كل حدب وصوب من ربوع الجزائر، خاصة من الجهة الغربية، على غرار، تلمسان، سيدي بلعباس، غليزان، تيارت، عين تموشنت، النعامة، سعيدة، سيدي بلعباس، البيض، معسكر، عين صفراء...وغيرها، وحتى المغتربين الذين اعتادوا على تبادل الزيارات في مثل هذه المناسبات، للمشاركة بفرسانهم وزيارة ضريح الولي الصالح سيدي أمحمد الواسيني.

تكفل خلال إقامة هذه الوعدة أحفاد الولي الصالح وعرش بني واسين من سكان بلدية مغنية، بنصب الخيم في المكان المخصص لتلاقي الجميع، مع ضمان المبيت في هذه المنطقة، وتميزت هذه السنة عن غيرها، بالاستقطاب والإقبال الكبير للوافدين عليها سواء من داخل أو خارج الولاية، وعاش سكان مغنية وبلدياتها المجاورة أجواء من الفرجة، حيث دأب القائمين ككل سنة على لم شمل الجزائريين، حيث تقام مأدبتي الغداء والعشاء على شرف القاصدين إليها، إضافة إلى زيارة ضريح الولي الصالح، إلى جانب تنظيم تظاهرات أخرى تخص ألعاب الفانتازيا والبارود، وعدة أنشطة ثقافية تدل على أصالة المنطقة في الثقافـة الشعبية، شارك فيها ما يفوق 300 فارس، أي ما يعرف عندهم بحوالي 25 و30 علفة قدموا من مختلف جهات الوطن، وبالخصوص من ولايات الغرب، بالإضافة إلى مدائح دينية مختلفة.

يأتي إحياء هذه المناسبة، حسب شيوخ من أعـيان وسكان هذه القرية، تبركا بالولي الصالح للمنطقة، وتعبيرا عن أصالتهم وكرمهم المعهود، إذ لا يتوانى السكان المحليون ـ حسبهم ـ في هذه المناسبة عن إعداد العدة وتسخير كل الوسائل لاستقبال الوافدين والضيوف بمنازلهم، وفي الخيم التي نصبت لهذا الغرض، حيث يتسابقون في إكرام الضيوف وتقديم موائد الإكرام من الكسكس.

"الوعدات"... عادات متأصلة تصنع الفرجة 

تعد الاحتفالات الشعبية "الوعدات" المنظمة بكثرة في نهاية شهر أوت الجاري، عبر كامل أرجاء ولاية تلمسان، من العادات والتقاليد المتأصلة التي تصنع الفرجة وأجواء من البهجة، خلال هذه الفترة من موسم الصيف، التي تعرف تدفق أعداد كبيرة من السياح، وبالفعل، إحياء هذه "الوعدات" أو"الموسم" من العادات والتقاليد المتجذرة التي تأبى الاندثار عبر مختلف مناطق الولاية، حيث تنظم كل سنة وترمز إلى نهاية موسم الحصاد والدرس، وتشكل موعدا هاما لسكان المنطقة أو أفراد القبيلة الواحدة، الذين يتقاسمون على مدار يومين أو أكثر، أجواء احتفالية بهيجة تتميز باللحمة والترابط بين العائلات والأصدقاء.

تميز هذه الاحتفالات -حسب الحاج قويدر الذي اعتاد حضور مثل هذه المواعيد التراثية بمنطقة سبدو- الذكرى السنوية للولي الصالح لكل منطقة، على غرار أولاد نهار، حيث يطلق على الوعدة اسم الولي الصالح لهذه القبيلة، وهو سيدي يحيى، في حين أن بني أورنيد يسمونها "سيدي عفيف"، وأولاد أورياش يطلقون عليها اسم الولي الصالح "سيدي الطاهر" ووعدة "مولاي الشيخ الطيب" بالنسبة لأولاد ميمون، فضلا عن بني وزان وبني واسين وبني صميل وباقي مناطق ولاية تلمسان.

أضاف المتحدث أن الوعدات عادة ما تنظم في المواقع القريبة من ضريح الولي الصالح لكل قبيلة، الذي يعرف بالمناسبة إقبالا ملفتا من طرف الزوار، حيث يتم نصب خيمة كبيرة يتم فيها تنظيم جلسات لترتيل القرآن الكريم من طرف المقرئين  والشيوخ.

كما تشكل هذه الوعدات فرصة مواتية للمّ الشمل وإصلاح ذات البين، وفض كل النزاعات القائمة بين الأشخاص أو العائلات المتخاصمة التي تجتمع وتتقاسم سوية طبق الكسكسي التقليدي، الذي تشترك في تحضيره نساء كل القبيلة.

يتم إعداد طبق الكسكسي لكافة الضيوف الحاضرين الذين يقبلون على الوعدة، سواء من المنطقة أو من ولايات أخرى، في أجواء احتفالية مميزة، تبرز كرم وجود أهل المنطقة.

أشار الشيخ بومشرة محمد، أستاذ في الشريعة بدار "الحديث" في تلمسان، إلى أن هذه "المواسم" تشكل فرصة مناسبة لتعزيز الروابط الاجتماعية والتضامنية بين أفراد القبيلة أو المنطقة، وهو ما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث الناس على الاتحاد والتآخي، مبرزا أن خلال هذه "الوعدات" يتم فض النزاعات القائمة بين أفراد القبيلة والعائلات وإصلاح ذات البين، ونشر قيم التسامح والمصالحة التي يدعوا إليها ديننا الحنيف.

تنظم هذه المناسبات كذلك، لاستحضار الخصال النبيلة لشيوخ القبائل والأولياء الصالحين، وحياتهم المثالية التي سخروها لخدمة الغير، كما أشار إليه الشيخ  بومشرة.

من جهتها، أشارت صليحة صالي، الباحثة في المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لوهران، أن "الوعدات" تنظم للمحافظة على عادات وتقاليد أجداد القبيلة التي تحضر لها خلال نهاية كل موسم حصاد ودرس، عشاء يجمع أفراد كل قبيلة، إلى جانب الضيوف.

يتم خلال هذه اللقاءات، فض النزاعات وتسوية قضايا اجتماعية أخرى، على غرار الطلاق والزواج والإرث وغيرها، وفق نفس الجامعية، مشيرة إلى أن "الوعدات أصبحت من الاحتفالات التي تجمع الناس أكثر، ويتم فيها تثمين وترقية التراث  الشعبي".

"الفنتازيا".. المميز الذي يستهوي الحاضرين

فضلا عن الجانبين الديني والتقليدي، تتضمن "الوعدات" عروضا شيقة مستوحاة من التراث الوطني، على غرار عروض الخيالة التقليدية (الفانتازيا) التي تشكل بلا منازع، جانبا هاما من هذه الاحتفالات.

تقدم فرق الخيالة التي تتشكل من خمسة فرسان فما فوق. والمعروفة محليا بـ«العلفة"، والتي تمثل في الغالب مختلف المناطق أو القبائل، استعراضات تتجلى فيها براعة الفرسان والخيول، حيث تسعى كل فرقة إلى التميز لتكون الأجدر وفي مستوى هذا الحدث، وتختم عرضها في الأخير بطلاقات بارود متناغمة معلنة عن نهاية السباق.

تتميز كل فرقة خيالة بلباسها التقليدي الأصيل المتكون من "الشاشية" أو المظل (قبعة)، بالإضافة إلى "الخف" (الحذاء التقليدي) و«الجلابة" أو البرنوس بمختلف الألوان.

كما تجذب هذه العروض هواة التصوير الفوتوغرافي الذين يأتون من مختلف الأرجاء لالتقاط صور تذكارية للحدث، على غرار عبد القادر وزهير وناصر القادمين من الجزائر العاصمة وبوسعادة وتيارت على التوالي، وغيرهم من المصورين من الهواة والمحترفين الحاضرين الذين يرون في سباق الخيالة عروضا مميزة.

«منذ سنوات ونحن نرتحل لالتقاط الصور الخاصة بسباق فرق الخيالة، ولا نتأخر عن أي موعد. نشعر بسعادة كبيرة بتواجدنا في مثل هذه الاحتفالات، وحضور هذا السباق المميز الذي تتجلي فيه براعة الفارس والجواد"، حسبما أوضحه هؤلاء المصورين، مشيرين إلى أن "بلادنا تزخر بموروث مادي وغير مادي في غاية الأهمية".

كما تشكل احتفالات "الوعدات" فرصة هامة أمام محبي الفلكلور والرقص التقليدي على إيقاع "البندير" و«القلال" و«القصبة"، حيث يقبل العديد من هواة الموسيقى للاستمتاع بعروض الفلكلور التي تتواصل لساعات متأخرة من الليل، على وقع الرقص الفلكلوري لـ«العلاوي" و«الصف" والدار"، في أجواء بهيجة يتقاسمونها لأوقات طويلة مع العائلات والأصدقاء.

تعد الوعدات فرصة سانحة للباعة المتجولين الذين يجدون ضالتهم، بنصب أسواق شعبية في الهواء الطلق في قلب مواقع الاحتفال، لتسويق مختلف المنتجات التقليدية المحلية، على غرار الأزياء التقليدية والخضر والفواكه والعقاقير، وغيرها التي تعرض على الجموع الغفيرة من الحاضرين.

تمثل هذه الاحتفالات الشعبية جزءا هاما من التراث المادي وغير المادي لهذه المنطقة من غرب البلاد، إذ يستدعي الأمر المحافظة عليه وترقيته، حسبما أبرزه علي، فنان من تلمسان، متعلق كثيرا بالعادات والتقاليد والتراث الوطني.