"أصداء الروح... تناغم بين النور والمادة" بقصر رياس البحر

إحياء التراث بالحركة واللوحةُ رسالة قبل أن تكون تقنيات

إحياء التراث بالحركة واللوحةُ رسالة قبل أن تكون تقنيات
الفنان محمد أكلي معبد
  • 151
مريم. ن مريم. ن

افتتح الفنان محمد أكلي معبد، أوّل أمس، بمركز الفنون بقصر رياس البحر، معرضه التشكيلي الأوّل بعنوان "أصداء الروح... تناغم بين النور والمادة"، قدّم فيه تجربة فنية ناضجة ومفعمة بالإحساس العميق، زادها جمالا عبق التراث الأصيل. شهد حفل الافتتاح حضورا كثيفا رافق الفنان معبد، ليكتشف عوالم من الجمال، والأنوار، والرقي الذي يُذكر كلما ذُكر التاريخ والتراث.

تجليات التراث وروح التفاؤل تطبع اللوحات

في هذه الباقة من أعمال الفنان تتجلى تجربة الفنان الناضجة وليدة خبرة سنوات طويلة تعود لفترة شبابه، وكلّها تحمل قيما من الجمال والانتماء الراقي للثقافة، وتحمل، أيضا، روح التفاؤل والحياة رغم أنّ الفنان رسمها، كما قال، في فترات صعبة.

والتقت "المساء" بالفنان معبد (من مواليد سنة 1962 بالعاصمة) رغم انشغاله باستقبال ضيوفه الكثيرين وممثلي بعض المؤسّسات وكذا الجمهور الصغير، الذي رافق معرضه، ليقول: "إنّه المعرض الأوّل الذي يقام لي؛ فأنا عشت لسنوات بديار الغربة بأوروبا. وتحمل لوحاتي 27 نظرة فلسفية، وإحساسا عميقا يتولّد بداخلي حين رؤية منظر أو مشهد ما غالبا ما أحبّ أن أترجمه في لوحة أنجزها، لأتقاسمها مع الجمهور".

وأكّد الفنان، أيضا خلال حديثه إلـى "المساء" ، أنّه مهندس مختص في الميكانيك، مشيرا إلى أنّ هذا الاختصاص يمارس فيه أيضا، الرسم الصناعي والتصميم، وهو بحدّ ذاته نوع من الفن، ليعود في لحظة أطلّت من ذاكرته، إلى موقف والديه الصارم تجاهه حينما أراد اختيار الفن التشكيلي خاصة بعد نجاحه في مسابقة الالتحاق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة (المرتبة الثانية)، وظلا رافضين للفن، وطلبا منه أن يلتفت لدراسته التي تضمن له مستقبله، وبعدها له أن يختار ما يشاء. وهنا يقول: "كانت الهندسة اختيارا مجتمعيا، ومن ورائه والدي، لكن الفن هو اختياري أنا، وبالتالي لم أنسَه، وعدت إليه".

اختيار مطلق للكلاسيكي

بالنسبة للفن التشكيلي قال إنّه فنان عصامي، كوّن نفسه، مؤكّدا أنه تأثر منذ طفولته، بالفنان نصر الدين ديني، ثم بالرسّام الكبير حسين زياني، وكلاهما، طبعا، برز في الأسلوب الواقعي الكلاسيكي. وبدوره استعمل هو هذا الأسلوب في معرضه الجارية فعالياته بقصر رياس البحر والممتدة حتى 30 سبتمبر الجاري. كما طعّم الفنان لوحاته بلمسة من الانطباعية، مضيفا أنّه كان، أيضا، مولَعا بالفنان سيزار العالمي، وأنه شارك في معارض صغيرة وأخرى جماعية في بعض التظاهرات حين إقامته بأوروبا.

وبالنسبة لرسم المعالم التاريخية التي برع في رسمها منها جامع كتشاوة مثلا والذي بدا شاهقا كرمز على قامته التاريخية وعظم شأنه، قال: "أنا لا أرسم المعالم كهياكل وبنايات، لكنّني أفضّل دوما رسمها ضمن سياقها الحي؛ أي الحياة المتحرّكة من حولها، خاصة من جانب حركة الناس، أو في محيطها الطبيعي، وغيرها؛ فمثلا جامع كتشاوة غير بعيد عن سوق شعبي، وحركة الناس من حوله لا تهدأ، ما يعطيه رمزا وبعدا حيا؛ " وكأنّه مستمر عبر الزمن ".

وفي ما يتعلّق بمضمون اللوحات التي استخدم فيها عدة مواد منها الغواش الأكريليك، والألوان الزيتية قال: "أهتمّ كثيرا بالرسالة التي تتضمّنها لوحاتي؛ فهي تحمل إحساسي، وأفكاري، وبعضا من حياتي الخاصة وذكرياتي، إضافة إلى نكهة التراث البارزة، منها مثلا الرموز والنقوش الأمازيغية، والمعالم التاريخية، وبعض اليوميات والقعدات، وغيرها من مظاهر الحياة الجزائرية الأصيلة والمتوارَثة عن الأجداد" . كما أضاف: "في إحدى اللوحات رسمت كأس شاي بجانبه كسرة محشوة بالتمر "لبراج" ، وذاك هو كأسي الذي أستعمله يوميا. أردت أن أعطي لذلك بعدا فنيا راقيا رغم بساطته. مشاهد أخرى تمتّعني، أحوّلها إلى لوحات، وأشاركها مع غيري؛ بمعنى أنّني لا أرسم إلا ما يؤثر فيَّ، وما تجمعني به علاقة حميمية ".

الخط العربي بالألوان وباقات الورد

جال الفنان رفقة "المساء" في المعرض الذي تضمّن العديد من اللوحات، منها الميناء القديم للجزائر، وكذا بعض المعالم التاريخية والمناظر الطبيعية، ومشاهد من الحياة اليومية، ولوحة عن الصحراء التي يعشقها، مصرحا بأنه سيخصّص معرضا للصحراء مستقبلا. وكذلك كانت لوحات بورتريهات، قال إنّها لبعض أولاده، وغيرها، ليقف عند لوحات الخط العربي البديعة. وحين سألته "المساء" عنها ردّ: "هذا خط مرسوم وليس مكتوبا. لكن لي تجربة في الخط المكتوب، سأبرزها في معارض قادمة" . 

وفي لوحة كبيرة برزت كتابة اسم الجلالة محاطة بالورود، كتلك التي رسمها الأجداد قديما خاصة في الصناديق الخشبية. وعلّق على ذلك قائلا: "عندما نكتب أو نملك شيئا ثمينا كتحفة مثلا، نضعه في أجمل مكان، منه باقة ورد ".

وتحدّثت "المساء" أيضا مع زوجة الفنان التي رافقته في المعرض والتي قالت: "يُحوّل بعضَ المشاهد اليومية إلى روائع؛ فهذه اللوحة التي يبدو فيها صحن بالمطبخ ممتلئ بالفواكه، كانت من مطبخنا. كذلك تلك اللوحة التي بها فواكه قدّمتها له ليتناولها فرسمها. وهناك أيضا لوحات رائعة فتنت من رآها، خاصة بالخط العربي. أتمنى أن يشاهدها الجمهور".

للبراعم نصيب من الفن

قام الفنان معبّد أيضا، بتأطير ورشة للأطفال داخل هذا المعرض (مقام بقصر رقم 17)، وقال: "رأيت الأطفال الذين يرافقون أولياءهم إلى حصن رياس البحر، يتجوّلون، فطلبت من المنظّمين أن أقيم لهم ورشة، فقُبل طلبي. وها أنا أشرف على رسوماتهم، وأوجههم طيلة معرضي" . وبالموازاة مع ذلك، خصّص الفنان سجلا للجمهور، ليكتب ملاحظاته وانطباعاته؛ كي يقرأها، ويستفيد منها.