الملتقى الوطني حول "التراث الأثري في الأوراس"
إجماع على مقاربات تربط الآثار بالإنسان والهوية

- 147

أجمع المشاركون في الملتقى الوطني حول الموروث الأثري إمدغاسن بعنوان " جديد المقاربات لمنهجية إعادة تأهيل وتثمين معلم الضريح الملكي إمدغاسن، والمواقع الأثرية البروتو-تاريخية الأوراسية " ، على تكثيف الأبحاث والحفريات حول نشأة وتطوّر الاستيطان والتعمير البشري بمنطقة الأوراس، وكيفية تعامل قاطنيها المحليين مع وسطهم الطبيعي.
أكّد المشاركون أيضا على ضرورة المساهمة في تنظيم وربط العلاقات لإنشاء مهرجانات ومؤتمرات لتشجيع كلّ الأنشطة الثقافية الهادفة في الجامعات، والعمل على التواصل بينها وتبادل الخبرات لاستغلال الخصوصيات الثقافية. ورأوا الظرف مواتيا لمواجهة المشاكل التي تحاصر المعالم والمواقع الأثرية المهدّدة بالزوال؛ بفعل عدّة عوامل طبيعية وبشرية؛ من خلال تثمين دور الإعلام في السياحة الثقافية، وفتح مجالات الاستثمار للتعريف والتشهير بها.
ويبحث الملتقى الذي احتضنته دار الثقافة "محمد العيد آل خليفة" في كيفية الحفاظ على المعالم الأثرية لإعادة إدماج الذاكرة التاريخية في الحاضر، وتكثيف الأبحاث الأثرية. وكشف عن اتّجاه جديد في التعامل مع المواقع الأثرية، "يقوم على تجاوز النظرة الكلاسيكية للترميم والجرد إلى مقاربات أشمل، تربط الآثار بالإنسان والهوية؛ حيث التركيز على تثمين البقايا الأثرية المختلفة المعمارية والاجتماعية والاقتصادية للسكان المحليين، ما بين فترتي فجر التاريخ وما قبل الاحتلال الروماني، والتي تشكل مادة بحث خام".
وقد سمح الملتقى بشرح التدابير التنظيمية والقانونية المتعلقة بحماية التراث الثقافي، خصوصا أن مبادرة مهرجان إمدغاسن السينمائي، شكّلت نموذجا لدمج الفن بالسياحة والتاريخ؛ لإبراز المواقع السياحية بباتنة، التي باتت تشكّل قطاعا اقتصاديا اكتسب كثيرا من الأهمية في مجال صناعة السياحة التي تفتح فرص الاستثمار السياحي بالمنطقة، وتخلق من فضاءات المنطقة من خلال الأنشطة المتنامية التي يمكن أن تخلقها السياحة، وسيلة فعّالة في ركن التعارف الحضاري بين الشعوب، وجسرا لا يجذب سوى حركة الاستثمار.
وبالمناسبة، أكّد الأستاذ المختصّ في علم الآثار الدكتور زهير بخوش من جامعة قالمة، أنّ المهرجان الدولي لسينما إمدغاسن، جاء للبحث في جديد المقاربات المنهجية؛ لإعادة تأهيل وتثمين معلم الضريح الملكي النوميدي (إمدغاسن)، والمواقع الأثرية البروتو-تاريخية (فجر التاريخ) بالأوراس. وأضاف أنه يتم التركيز في هذه الطبعة التي تُعدّ الأولى ضمن سلسلة ملتقيات ستُعقد لاحقا في هذا الشأن، على الضريح النوميدي الملكي إمدغاسن، وهو أقدم القبور المعلمية أو الفضاءات الجنائزية على الإطلاق في شمال إفريقيا.
ومن جهته، أبرز الدكتور عزيز طارق ساجد من معهد الآثار جامعة الجزائر2 في مداخلته "من البازينة الى إمدغاسن"، استمرارية وتطوّر العمارة الجنائزية في الجزائر القديمة، على العلاقة بين البازينا وضريح إمدغاسن، مستدلا بالشواهد الحية من نفس الطابع المحلي، التي تبرز أهمية التراث في ترسيخ فكرة الهوية والذاكرة الجماعية. وشدّد على ضرورة الحفاظ على المعالم الأثرية منها هذا المعلم.
كما تطرق الدكتور مصطفى دوربان من معهد الآثار جامعة الجزائر2، لمقاربة معمارية وأثرية جديدة لأضرحة لجدار، وماهية الأضرحة المورية لهذا الموقع؛ في محاولة للتعرّف على الحياة الدينية عند القبائل المورية. وتحدّث بإسهاب عن أهمية الضريح، والفن المعماري الذي اعتُمد في بنائه، وأهم الزخارف والنقوش الموجودة به التي تشكّل مادة للبحث.
ويشكّل هذا الملتقى، حسب شفيق بوغرارة مدير متحف ومواقع تيمقاد، وإمدغاسن، وزانة وطبنة، فرصة للتحسيس بأهمية دراسة آثار ومعالم فترة فجر التاريخ في المنطقة الأوراسية، وتوسيع آفاق التعاون بين مختلف الباحثين من تخصّصات العلوم التاريخية والأثرية والأنتربولوجية؛ لتوجيه المجال البحثي متعدّد التخصّصات، نحو هذا الميدان البحثي، واستغلال خصائص الموروث الحضاري الذي تزخر به المنطقة.
وفي هذا السياق، يراهن مدير المتحف على إبرام اتفاقيات تعاون مع مختلف مخابر ومراكز البحث الوطنية والدولية؛ بهدف تحيين وعصرنة تقنيات جرد وتوثيق المواقع والمعالم البروتو-تاريخية (التي تعود إلى فجر التاريخ)؛ بغرض حمايتها، وتصنيفها.
وأعقبت المداخلات مناقشات أثرت الموضوع من جميع النواحي. وألحّ الحضور على مسألة تعميم التراث، وليس تخصيصه، كما تجلى بكلّ وضوح في هذا الملتقى الذي حقّق نجاحا باهرا، دور لجنة التنظيم، علما أنّ الملتقى حقّق أهدافه؛ لأنّ المبادرة في حدّ ذاتها، لقيت العناية الخاصة من طرف وسائل الإعلام والمختصين في التراث، وأنّ المساعي قائمة من طرف الهيئات المعنية بترقية التراث.