في ذكرى رحيل الفنان سيد أحمد سري

أمين تراث "الصنعة"

أمين تراث "الصنعة"
الفنان سيد أحمد سري أحد أعمدة مدرسة "الصنعة" العاصمية
  • القراءات: 699
ق. ث ق. ث

أحيت الساحة الفنية، أمس، الذكرى الثامنة لوفاة سيد أحمد سري، أحد أعمدة مدرسة "الصنعة" العاصمية، الذي ساهم في إثراء رصيد مكتبة التراث الموسيقي الجزائري بأعماله التسجيلية، وقد عرف بعمله الجاد في مجال الحفاظ على هذه الموسيقى الجزائرية الكلاسيكية العريقة، وترقيتها، من خلال صقلها أكاديميا.

كرس الفنان والمعلم سيد أحمد سري (1926-2015)، وهو أحد أعمدة الموسيقى الأندلسية وأعلامها بالجزائر، جهوده طيلة 60 عاما، للبحث والتسجيل والتكوين من أجل الحفاظ على هذا الإرث الفني العريق، المشبع بالتراث والهوية وإيصاله إلى الأجيال الصاعدة.

كما ساهم الراحل، الذي ولد في حي القصبة بالعاصمة، في 2 نوفمبر 1926، وسط أسرة مهتمة بالفن والموسيقى منذ نعومته، بشغفه وحبه للنغمة الأندلسية، وتوجه منذ الصغر لتعلم مبادئ هذا الفن الأصيل، حيث تتلمذ بعد دخوله المدرسة القرآنية في سن الرابعة، على يد الشيخ البشير البوزيري، الذي كان إلى جانب القرآن العظيم، يعلم تلاميذه أناشيد دينية.

وإلى جانب ترتيل القرآن الكريم، فقد تميز أيضا بقدرته على إلقاء الإنشاد الديني وحفظ القصائد، حيث شارك في حفلات الإنشاد في المولد النبوي الشريف بمزاري "سيدي عبد الرحمان الثعالبي" في القصبة، و«سيدي امحمد" ببلكور، ما مكنه من فرض مكانته وإبراز قدراته، سواء في الإلقاء أو الحفظ، وتذكر "المساء"، حديثه ذات مرة، عن موقف حصل مع الشيخ العلامة عبد الرحمن الجيلالي، عندما طلب من سري، حين علم أنه سيسافر إلى إسبانيا، أن يدخل جامع "قرطبة"، ويؤدي فيه المدائح الدينية وغيرها، كما كان يفعل الأجداد في زمن الأندلس.

صقل سري، وهو أيضا باحث في مجال الموسيقى، موهبته الفنية بتكوين أكاديمي متين، بداية من 1945، بعد انضمامه إلى الجمعية الجزائرية للفن الأندلسي، حيث التحق هذا الفنان صاحب الصوت المميز مباشرة، بصف المتفوقين، تحت إشراف الأستاذ عبد الرزاق فخارجي، بالمعهد الموسيقى لمدينة الجزائر، وقد عرف بإتقانه العزف على آلة العود، في بعض الجمعيات الموسيقية العتيدة، على غرار "الأندلسية"، ثم "الحياة" و«الجزائرية".

بدأ سنة 1947، العمل بالإذاعة مع فرقة "الصنعة"، وهو ما فتح أمامه الأبواب للوصول إلى قلوب عشاق الفن الأندلسي العريق، وفي سنة 1948، اختير كأحسن المغنيين، الشيء الذي سمح له بأن يحتك مع كبار المطربين وأصحاب "الصنعة"، وتفتح أمامه أبواب الإذاعة واستديوهات التسجيل، ثم التلفزيون، وبذلك ذاع صيته في الأوساط الفنية وصار يعرف بالشيخ.

في سنة 1952، عهدت إليه مهمة الإشراف على جمعية "الجزائرية"، التي تحولت فيما بعد إلى "الموصلية"، وبذلك انتقل من رتبة تلميذ إلى أستاذ، مما أهله بأن يدرس في معهد الموسيقى بالعاصمة.

واصل الفنان إلى جانب الأداء والتلحين، بتكوين جيل من الفنانين، وبنشاط حثيث مع الجمعية الجزائرية الموصلية في الثمانينات، حيث نظم عدة حفلات تحت شعار "خريف الموسيقى الجزائري"، كما انتخبه زملاؤه الفنانون سنة 1989، رئيسا لجمعية حماية الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية وترقيتها، ثم رئيسا للفدرالية الوطنية لجمعيات الموسيقى الكلاسيكية الجزائرية في 2006.

صب الموسيقار القدير، وهو أول فنان جزائري يتقلد وسام الاستحقاق الوطني في 1992، اهتمامه الكبير في التسعينات لتسجيل التراث الأندلسي، وحمايته من الضياع، خاصة أن تقاليد توارث هذا الفن كانت شفوية، وقد كللت جهوده بتسجيل سلسلة من أسطوانات (أقراص مضغوطة) لطبع لعروبي سنة 2000، وأيضا سلسلة نوبات متفرقة قام بجمعها في حوالي 45 قرصا، وألف مجموعة من النوبات الأندلسية، بالاشتراك مع زميله رشيد ماحي.

تخرج على يدي الشيخ سري العديد من الفنانين والمطربين والموسيقيين المعروفين، وقد خلف أيضا تراثا وسجلا غنيا، كما يعد مرجعا أساسيا في مجال الموسيقى الأندلسية، خاصة من خلال كتابه الذي دون فيه أشعار النوبات الأندلسية للصنعة العاصمية، الذي صدر في 1997، عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وأعيد طبعه في 2002، ثم في 2006. وتوفي الفنان سيد احمد سري في 15 نوفمبر 2015، عن عمر ناهز 89 عاما.